كتاب آداب الكسب والمعاش

Iḥyāʾ ʿulūm al-dīn

وهو الكتاب الثالث من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد الله حمد موحد انمحق في توحيده ما سوى الواحد الحق وتلاشر ونمجده تمجيد من يصرح بأن كل شيء ما سوى الله باطل ولا يتحاشى وأن كل من في السموات والأرض لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ولا فراشا ونشكره إذ رفع السماء لعباده سقفا مبنيا ومهد الأرض بساطا لهم وفراشا وكور الليل على النهار فجعل الليل لباسا والنهار معاشا لينتشروا في ابتغاء فضله وينتعشوا به عن ضراعة الحاجات انتعاشا ونصلي على رسوله الذي يصدر المؤمنون عن حوضه رواء بعد ورودهم عليه عطاشا وعلى آله وأصحابه الذين لم يدعوا في نصرة دينه تشمرا وانكماشا وسلم تسليما كثيرا أما بعد فإن رب الأرباب ومسبب الأسباب جعل الآخرة دار الثواب والعقاب والدنيا دار التمحل والاضطراب والتشمر والاكتساب وليس التشمر في الدنيا مقصورا على المعاد دون المعاش بل المعاش ذريعة إلى المعاد ومعين عليه فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها والناس ثلاثة رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الفائزين والأقرب إلى الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المفتصدين ولن ينال رتبة الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السداد ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة وها نحن نورد آداب التجارات والصناعات وضروب الاكتسابات وسننها ونشرحها في خمسة أبواب الباب الأول فضل الكسب والحث عليه الباب الثاني في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات الباب الثالث في بيان العدل في المعاملة الباب الرابع في بيان الإحسان فيها الباب الخامس في شفقة التاجر على نفسه ودينه الباب الأول في فضل الكسب والحث عليه أما من الكتاب فقوله تعالى وجعلنا النهار معاشا فذكره في معرض الامتنان وقال تعالى وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون فجعلها ربك نعمة وطلب الشكر عليها وقال تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وقال تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وقال تعالى فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم  من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة تقدم في النكاح وقال صلى الله عليه وسلم  التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء حديث التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي سعيد قال الترمذي حسن وقال الحاكم إنه من مراسيل الحسن ولابن ماجه والحاكم نحوه من حديث ابن عمر وقال صلى الله عليه وسلم  من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسئلة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر حديث من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا على عيالهالحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وكان صلى الله عليه وسلم  جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم  لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسئلة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان حديث كان صلى الله عليه وسلم  جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظر إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو كان جلده في سبيل اللهالحديث أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث كعب بن عجرة بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم  إن الله يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني بها عن الناس ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة حديث إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناسالحديث لم أجده هكذا وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال وفيه محمد بن سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث وفي الخبر إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف حديث إن الله يحب المؤمن المحترف أخرجه الطبراني وابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر وقال صلى الله عليه وسلم  أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور حديث أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور أخرجه أحمد من حديث رافع بن خديج قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور ورواه البزار والحاكم من رواية سعيد بن عمير عن عنه قال الحاكم صحيح الإسناد قال وذكر يحيى بن معين أن عم سعيد البراء بن عازب ورواه البيهقي من رواية سعيد بن عمير مرسلا وقال هذا هو المحفوظ وخطأ قول من قال عن عمه وحكاه عن البخاري ورواه أحمد والحاكم من رواية جميع ابن عمير عن خاله أبي بردة وجميع ضعيف والله أعلم وفي خبر آخر أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح حديث أحل ما أكل العبد كسب الصانع إذا نصح رواه أحمد من حديث أبي هريرة خير الكسب كسب العامل إذا نصح وإسناده حسن وقال صلى الله عليه وسلم  عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق حديث عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من حديث نعيم بن عبد الرحمن تسعة أعشار الرزق في التجارة ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن مندة ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان أنه تابعي فالحديث مرسل وروي أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال ما تصنع قال أتعبد قال من يعولك قال أخي قال أخوك أعبد منك وقال نبينا صلى الله عليه وسلم  إني لا أعلم شيئا يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا أمرتكم به وإني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه وإن الروح الأمين نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أمر بالإجمال في الطلب ولم يقل اتركوا الطلب ثم قال في آخره ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله تعالى فإن الله لا ينال ما عنده بمعصيته حديث إني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار ألا نهيتكم عنه فإن الروح الأمين نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقهاالحديث رواه ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم من حديث ابن مسعود وذكره شاهدا لحديث أبي حميد وجابر وصححهما على شرط الشيخين وهما مختصران ورواه البيهقي في شعب الإيمان وقال إنه منقطع وقال صلى الله عليه وسلم  الأسواق موائد الله تعالى فمن أتاها أصاب منها حديث الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها رويناه في الطيوريات من قول الحسن البصري ولم أجده مرفوعا وقال صلى الله عليه وسلم  لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله له أعطاه أو منعه حديث لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر حديث من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها وقال حسن صحيح وأما الآثار فقد قال لقمان الحكيم لابنه يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به وقال عمر رضي الله عنه لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر رضي الله عنه أصبت استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما قال صاحبكم أحيحة فلن أزال على الزوراء أغمرها إن الكريم على الإخوان ذو المال وقال ابن مسعود رضي الله عنه إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة قال التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وخالفه الحسن البصري في هذا وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري وقال الهيثم ربما يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه فيهون ذلك علي وقال أيوب كسب فيه شيء أحب إلي من سؤال الناس وجاءت ريح عاصفة في البحر فقال أهل السفينة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله وكان معهم فيها أما ترى هذه الشدة فقال ما هذه الشدة وإنما الشدة الحاجة إلى الناس وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني الغنى عن الناس وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم  إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي حديث إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم  حين ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا حديث ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي حسن صحيح فذكر أنها تغدو في طلب الرزق وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد وروي أن الأوزاعي لقي إبراهيم بن أدهم رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب فقال له يا أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة وقال أبو سليمان الداراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ينادي مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية الأغيار ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم  ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين حديث ما أوحي إلي أن اجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند فيه لين وقيل لسلمان الفارسي أوصنا فقال من استطاع منكم أن يموت حاجا أو غازيا أو عامرا لمسجد ربه فليفعل ولا يموتن تاجرا ولا خائنا فالجواب أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال فنقول لسنا نقول التجارة أفضل مطلقا من كل شيء ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره لا ليصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان بقوله لا تمت تاجرا ولا خائنا وأراد بالتاجر طالب الزيادة فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال وكان يعطي عن غير سؤال فالكسب أفضل لأنه إنما يعطي لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف والتستر أوفى من البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات أو عالم مشتغل بتربية علم الظاهر مما ينتفع الناس به في دينهم كالمفتي والمفسر والمحدث وأمثالهم أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين وقد تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد فهؤلاء إذا كانوا يكفون من الأموال المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ولهذا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ولم يوح إليه أن كن من التاجرين لأنه كان جامعا لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط بها الوصف ولهذا أشار الصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم بترك التجارة لما ولي الخلافة إذ كان ذلك يشغله عن المصالح وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ورأى ذلك أولى ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رآه في الابتداء أولى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان أحداهما أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس وما يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم وأفضل لهم الحالة الثانية الحاجة إلى السؤال وهذا في محل النظر والتشديدات التي رويناها في السؤال وذمه تدل ظاهرا على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد العبد ونظره لنفسه بأن يقابل ما يلقى في السؤال من المذلة وهتك المروءة والحاجة إلى التثقيل والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل من الفائدة له ولغيره فرب شخص تكثر فائدة الخلق وفائدته في اشتغاله بالعلم أو العمل ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في السلف من له ثلثمائة وستون صديقا ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من قبولهم لمبراتهم فكان قبولهم لمبراتهم خيرا مضافا لهم إلى عباداتهم فينبغي أن يدقق النظر في هذه الأمور فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ يستعين به على الدين والمعطي يعطيه عن طيب قلب ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ويستوضح من قلبه ما هو الأفضل له بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه فضيلة الكسب وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعا لأربعة أمور الصحة والعدل والإحسان والشفقة على الدين ونحن نعقد في كل واحد بابا ونبتدئ بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني الباب الثاني في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار المكاسب في الشرع اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم جملي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال ولو قال لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي فيقال له وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وعلم العقود كثير ولكن هذه العقود الستة لا تنفك المكاسب عنها وهي البيع والربا والسلم والإجارة والشركة والقراض فلنشرح شروطها العقد الأول البيع وقد أحله الله تعالى وله ثلاثة أركان العاقد والمعقود عليه واللفظ الركن الأول العاقد ينبغي للتاجر أن لا يعامل بالبيع أربعة الصبي والمجنون والعبد والأعمى لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون وبيعهما باطل فلا يصح بيع الصبي وإن أذن له فيه الولي عند الشافعي وما أخذه منهما مضمون عليه لهما وما سلمه في المعاملة إليهما فضاع في أيديهما فهو المضيع له وأما العبد العاقل فلا يصح بيعه وشراؤه إلا بإذن سيده فعلى البقال والخباز والقصاب وغيرهم أن لا يعاملوا العبيد ما لم تأذن لهم السادة في معاملتهم وذلك بأن يسمعه صريحا أو ينتشر في البلد أنه مأذون له في الشراء لسيده وفي البيع له فيعول على الاستفاضة أو على قول عدل يخبره بذلك فإن عامله بغير إذن السيد فعقده باطل وما أخذه منه مضمون عليه لسيده وما تسلمه إن ضاع في يد العبد لا يتعلق برقبته ولا يضمنه سيده بل ليس له إلا المطالبة إذا عتق وأما الأعمى فإنه يبيع ويشتري ما لا يرى فلا يصح ذلك فليأمره بأن يوكل وكيلا بصيرا ليشتري له أو يبيع فيصح توكيله ويصح بيع وكيله فإن عامله التاجر بنفسه فالمعاملة فاسدة وما أخذه منه مضمون عليه بقيمته وما سلمه إليه أيضا مضمون له بقيمته وأما الكافر فتجوز معاملته لكن لا يباع منه المصحف ولا العبد المسلم ولا يباع منه السلاح إن كان من أهل الحرب فإن فعل فهي معاملات مردودة وهو عاص بها ربه وأما الجندية من الأتراك والتركمانية والعرب والأكراد والسراق والخونة وأكلة الربا والظلمة وكل من أكثر ماله حرام فلا ينبغي أن يتملك مما في أيديهم شيئا لأجل أنها حرام إلا إذا عرف شيئا بعينه أنه حلال وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الحلال والحرام الركن الثاني في المعقود عليه وهو المال المقصود نقله من أحد العاقدين إلى الآخر ثمنا كان أو مثمنا فيعتبر فيه ستة شروط الأول أن لا يكون نجسا في عينه فلا يصح بيع كلب وخنزير ولا بيع زبل وعذرة ولا بيع العاج والأواني المتخذة منه فإن العظم ينجس بالموت ولا يطهر الفيل بالدبح ولا يطهر عظمه بالتذكية ولا يجوز بيع الخمر ولا بيع الودك النجس المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل وإن كان يصلح للاستصباح أو طلاء السفن ولا بأس ببيع الدهن الطاهر في عينه الذي نجس بوقوع نجاسة أو موت فأرة فيه فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل وهو في عينه ليس بنجس وكذلك لا أرى بأسا ببيع بزر القز فإنه أصل حيوان ينتفع به تشبيهه بالبيض وهو أصل حيوان أولى من تشبيهه بالروث ويجوز بيع فأرة المسك ويقضى بطهارتها إذا انفصلت من الظبية في حالة الحياة الثاني أن يكون منتفعا به فلا يجوز بيع الحشرات ولا الفأرة ولا الحية ولا التفات إلى انتفاع المشعبذ بالحية وكذا لاالتفات إلى انتفاع أصحاب الحلق بإخراجها من السلة وعرضها على الناس ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والأسد وما يصلح لصيد أو ينتفع بجلده ويجوز بيع الفيل لأجل الحمل ويجوز بيع الطوطى وهي الببغاء والطاوس والطيور المليحة الصور وإن كانت لا تؤكل فإن التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح وإنما الكلب هو الذي لا يجوز أن يقتنى إعجابا بصورته لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم  عنه حديث النهي عن اقتناء الكلب متفق عليه من حديث ابن عمر من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان ولا يجوز بيع العود والصنج والمزامير والملاهي فإنه لا منفعة لها شرعا وكذا بيع الصور المصنوعة من الطين كالحيوانات التى تباع في الأعياد للعب الصبيان فإن كسرها واجب شرعا وصور الأشجار متسامح بها وأما الثياب والأطباق وعليها صور الحيوانات فيصح بيعها وكذا الستور وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لعائشة رضي الله عنها اتخذي منها نمارق حديث اتخذي منها نمارق يقوله لعائشة متفق عليه من حديثها ولا يجوز استعمالها منصوبة ويجوز موضوعة وإذا جاز الانتفاع من وجه صح البيع لذلك الوجه الثالث أن يكون المتصرف فيه مملوكا للعاقد أو مأذونا من جهة المالك ولا يجوز أن يشتري من غير المالك انتظارا للإذن من المالك بل لو رضى بعد ذلك وجب استئناف العقد ولا ينبغي أن يشتري من الزوجة مال الزوج ولا من الزوج مال الزوجة ولا من الوالد مال الولد ولا من الولد مال الوالد اعتمادا على أنه لو عرف لرضي فإنه إذا لم يكن الرضا متقدما لم يصح البيع وأمثال ذلك مما يجري في الأسواق فواجب على العبد المتدين أن يحترز منه الرابع أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالآبق والسمك في الماء والجنين في البطن وعسب الفحل وكذلك بيع الصوف على ظهر الحيوان واللبن في الضرع لا يجوز فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف والمستولدة فلا يصح بيعها أيضا وكذا بيع الأم دون الولد إذا كان الولد صغيرا وكذا بيع الولد دون الأم لأن تسليمه تفريق بينهما وحرام فلا يصح التفريق بينهما بالبيع الخامس أن يكون المبيع معلوم العين والقدر والوصف أما العلم بالعين فبأن يشير إليه بعينه فلو قال بعتك شاة من هذا القطيع أي شاة أردت أو ثوبا من هذه الثياب التي بين يديك أو ذراعا من هذا الكرباس وخذه من أي جانب شئت أو عشرة أذرع من هذه الأرض وخذه من أي طرف شئت فالبيع باطل وكل ذلك مما يعتاده المتساهلون في الدين إلا أن يبيع شائعا مثل أن يبيع نصف الشيء أو عشرة فإن ذلك جائز وأما العلم بالقدر فإنما يحصل بالكيل أو الوزن أو النظر إليه فلو قال بعتك هذا الثوب بما باع به فلان ثوبه وهما لا يدريان ذلك فهو باطل ولو قال بعتك بزنة هذه الصنجة فهو باطل إذا لم تكن الصنجة معلومة ولو قال بعتك هذه الصبرة من الحنطة فهو باطل أو قال بعتك بهذه الصرة من الدراهم أو بهذه القطعة من الذهب وهو يراها صح البيع وكان تخمينه بالنظر كافيا في معرفة المقدار وأما العلم بالوصف فيحصل بالرؤية في الأعيان ولا يصح بيع الغائب إلا إذا سبقت رؤيته مذ مدة لا يغلب التغير فيها والوصف لا يقوم مقام العيان هذا أحد المذهبين ولا يجوز بيع الثوب في المنسج اعتمادا على الرقوم ولا بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها وكذا بيع الجوز واللوز في القشرة السفلى ولا يجوز في القشرتين ويجوز بيع الباقلاء الرطب في قشرته للحاجة ويتسامح ببيع الفقاع لجريان عادة الأولين به ولكن نجعله إباحة بعوض فإن اشتراه ليبيعه فالقياس بطلانه لأنه ليس مستترا ستر خلقه ولا يبعد أن يتسامح به إذ في إخراجه إفساده كالرمان وما يستر بستر خلق معه السادس أن يكون المبيع مقبوضا إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة وهذا شرط خاص وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن بيع ما لم يقبض حديث النهي عن بيع ما لم يقبض متفق عليه من حديث ابن عباس ويستوي فيه العقار والمنقول فكل ما اشتراه أو باعه قبل القبض فبيعه باطل وقبض المنقول بالنقل وقبض العقار بالتخلية وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل لا يتم إلا بأن يكتاله وأما بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلا فيه بمعاوضة فهو جائز قبل القبض الركن الثالث لفظ العقد فلا بد من جريان إيجاب وقبول متصل به بلفظ دال على المقصود مفهم إما صريح أو كناية فلو قال أعطيتك هذا بذاك بدل قوله بعتك فقال قبلته جاز مهما قصدا به البيع لأنه قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين أو دابتين والنية تدفع الاحتمال والصريح أقطع للخصومة ولكن الكناية تفيد الملك أيضا والحل فيما يختاره ولا ينبغي أن يقرر بالبيع شرطا على خلاف مقتضى العقدة فلو شرط أن يزيد شيئا آخر وأن يحمل المبيع إلى داره أو اشترى الحطب بشرط النقل إلى داره كل ذلك فاسد إلا إذا أفرد استئجاره على النقل بأجرة معلومة منفردة عن الشراء للمنقول ومهما لم يجر بينهما إلا المعاطاة بالفعل دون التلطف باللسان لم ينعقد البيع عند الشافعي أصلا وانعقد عند أبي حنيفة إن كان في المحقرات ثم ضبط المحقرات عسير فإن رد الأمر إلى العادات فقد جاوز الناس المحقرات في المعاطاة إذ يتقدم الدلال إلى البزاز يأخذ منه ثوبا ديباجا قيمته عشرة دنانير مثلا ويحمله إلى المشتري ويعود إليه بأنه ارتضاه فيقول له خذ عشرة فيأخذ من صاحبه العشرة ويحملها ويسلمها إلى البزاز فيأخذها ويتصرف فيها ومشتري الثوب يقطعه ولم يجر بينهما إيجاب وقبول أصلا وكذلك يجتمع المجهزون على حانوت البياع فيعرض متاعا قيمته مائة دينار مثلا فيمن يزيد فيقول أحدهم هذا علي بتسعين ويقول الآخر هذا علي بخمسة وتسعين ويقول الآخر هذا بمائة فيقال له زن فيزن ويسلم ويأخذ المتاع من غير إيجاب وقبول فقد استمرت به العادات وهذه من المعضلات التي ليست تقبل العلاج إذ الاحتمالات ثلاثة إما فتح باب المعاطاة مطلقا في الحقير والنفيس وهو محال إذ فيه نقل الملك من غير لفظ دال عليه وقد أحل الله البيع والبيع اسم للإيجاب والقبول ولم يجر ولم ينطلق اسم البيع على مجرد فعل بتسليم وتسلم فبماذا يحكم بانتقال الملك من الجانبين لا سيما في الجواري والعبيد والعقارات والدواب النفيسة وما يكثر التنازع فيه إذ للمسلم أن يرجع ويقول قد ندمت وما بعته إذ لم يصدر مني إلا مجرد تسليم وذلك ليس ببيع الاحتمال الثاني أن نسد الباب بالكلية كما قال الشافعي رحمه الله من بطلان العقد وفيه إشكال من وجهين أحدهما أنه يشبه أن يكون ذلك في المحقرات معتادا في زمن الصحابة ولو كانوا يتكلفون الإيجاب والقبول من البقال والخباز والقصاب لثقل عليهم فعله ولنقل ذلك نقلا منتشرا ولكان يشتهر وقت الإعراض بالكلية عن تلك العادة فإن الأعصار في مثل هذا تتفاوت والثاني أن الناس الآن قد انهمكوا فيه فلا يشتري الإنسان شيئا من الأطعمة وغيرها إلى ويعلم أن البائع قد ملكه بالمعاطاة فأي فائدة في تلفظه بالعقد إذا كان الأمر كذلك الاحتمال الثالث أن يفصل بين المحقرات وغيرها كما قاله أبو حنيفة رحمه الله وعند ذلك يتعسر الضبط في المحقرات ويشكل وجه نقل الملك من غير لفظ يدل عليه وقد ذهب ابن سريج إلى تخريج قول للشافعي رحمه الله على وفقه وهو أقرب الاحتمالات إلا الاعتدال فلا بأس لو ملنا إليه لمسيس الحاجات ولعموم ذلك بين الخلق ولما يغلب على الظن بأن ذلك كان معتادا في الأعصار الأولى فأما الجواب عن الإشكالين فهو أن نقول أما الضبط في الفصل بين المحقرات وغيرها فليس علينا تكلفه بالتقدير فإن ذلك غير ممكن بل له طرفان واضحان إذ لا يخفى أن شراء البقل وقليل من الفواكه والخبز واللحم من المعدود من الحقرات التي لا يعتاد فيها إلا المعاطاة وطالب الإيجاب والقبول فيه يعد مستقصيا ويستبرد تكليفه لذلك ويستثقل وينسب إلى انه يقيم الوزن لأمر حقير ولي وجه له هذا طرف الحقارة والطرف الثاني الدواب والعبيد والعقارات والثياب النفيسة فذلك مما لا يستبعد تكلف الإيجاب والقبول فيها وبينهما أوساط متشابهة يشك فيها هي في محل الشبهة فحق ذي الدين أن يميل فيها إلى الاحتياط وجميع ضوابط الشرع فيما يعلم بالعادة كذلك ينقسم إلى أطراف واضحة وأوساط مشكلة وأما الثاني وهو طلب سبب لنقل الملك فهو أن يجعل الفعل باليد أخذا وتسليما سببا لعينه بل لدلالته وهذا الفعل قد دل على مقصود البيع دلالة مستمرة في العادة وانضم إليه مسيس الحاجة وعادة الأولين واطراد جميع العادات بقبول الهدايا من غير إيجاب وقبول مع التصرف فيها وأي فرق بين أن يكون فيه عوض أو لا يكون إذ الملك لا بد من نقله في الهبة أيضا إلا أن العادة السالفة لم تفرق في الهدايا بين الحقير والنفيس بل كان طلب الإيجاب والقبول يستقبح فيه كيف كان وفي المبيع لم يستقبح في غير المحقرات هذا ما نراه أعدل الاحتمالات وحق الورع المتدين أن لا يدع الإيجاب والقبول للخروج عن شبهة الخلاف فلا ينبغي أن يمتنع من ذلك لأجل أن البائع قد تملكه بغير إيجاب وقبول فإن ذلك لا يعرف تحقيقا فربما اشتراه بقبول وإيجاب فإن كان حاضرا عند شرائه أو أقر البائع به فيمتنع منه وليشتر من غيره فإن كان الشيء محقرا وهو إليه محتاج فليتلفظ بالإيجاب والقبول فإنه يستفيد به قطع الخصومة في المستقبل معه إذ الرجوع من اللفظ الصريح غير ممكن ومن الفعل ممكن فإن قلت فإن أمكن هذا فيما يشتريه فكيف يفعل إذا حضر في ضيافة أو على مائدة وهو يعلم أن أصحابها يكتفون بالمعاطاة في البيع والشراء أو سمع منهم ذلك أو رآه أيجب عليه الامتناع من الأكل فأقول يجب عليه الامتناع من الشراء إذا كان ذلك الشيء الذي اشتروه مقدارا نفيسا ولم يكن من المحقرات وأما الأكل فلا يجب الامتناع منه فإني أقول إن ترددنا في جعل الفعل دلالة على نقل الملك فلا ينبغي أن لا نجعله دلالة على الإباحة فإن أمر الإباحة أوسع وأمر نقل الملك أضيق فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة فتسليم البائع إذن في الأكل يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال أبحت لك أن تأكل هذا الطعام أو تطعم من أردت فإنه يحل له ولو صرح وقال كل هذا الطعام ثم أغرم لي عوضه لحل الأكل ويلزمه الضمان بعد الأكل هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه ومتلفا له فعليه الضمان وذلك في ذمته والثمن الذي سلمه إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه فله أن يتملكه مهما عجز عن مطالبة من عليه وإن كان قادرا على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه فعليه المراجعة وأما ههنا فقد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضاء بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه فيأخذه بحقه لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري فيسقط فيكون كالقاضي دينه والمتحمل عنه فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها والعلم عند الله وهذه احتمالات وظنون رددناها ولا يمكن بناء الفتوى إلا على هذه الظنون وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتي قلبه ويتقي مواضع الشبه العقد الثاني عقد الربا وقد حرمه الله تعالى وشدد الأمر فيه ويجب الاحتراز منه على الصيارفة المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة إذ لا ربا إلا في نقد أو في طعام وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل أما النسيئة فأن لا يبيع شيئا من جواهر النقدين بشيء من جواهر النقدين إلا يدا بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة وتسليم الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه وأما الفضل فيحترز منه في ثلاثة أمور في بيع المكسر بالصحيح فلا تجوز المعاملة فيهما إلا مع المماثلة وفي بيع الجيد بالرديء فلا ينبغي أن يشتري رديئا بجيد دونه في الوزن أو يبيع رديئا بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة إن كان مقدرا الذهب مجهولا لم تصح المعاملة عليها أصلا إلا إذا كان ذلك نقدا جاريا في البلد فإنا نرخص في المعاملة عليه إذا لم يقابل بالنقد وكذا الدراهم المغشوشة بالنحاس إن لم تكن رائجة في البلد لم تصح المعاملة عليها لأن المقصود منها النقرة وهي مجهولة وإن كان نقدا رائجا في البلد رخصنا في المعاملة لأجل الحاجة وخروج النقرة عن أن يقصد استخراجها ولكن لا يقابل بالنقرة أصلا وكذلك كل حلي مركب من ذهب وفضة فلا يجوز شراؤه لا بالذهب ولا بالفضة بل ينبغي أن يشتري بمتاع آخر إن كان قدر الذهب منه معلوما إلا إذا كان مموها بالذهب تمويها لا يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار فيجوز بيعها بمثلها من النقرة بما أريد من غير النقرة وكذلك لا يجوز للصيرفي أن يشتري قلادة فيها خرز وذهب بذهب ولا أن يبيعه بل بالفضة يدا بيد إن لم يكن فيها فضة ولا يجوز شراء ثوب منسوج بذهب يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار بذهب ويجوز بالفضة غيرها وأما المتعاملون على الأطعمة فعليهم التقابض في المجلس اختلف جنس الطعام المبيع والمشترى أو لم يختلف فإن اتحد الجنس فعليهم التقابض ومراعاة المماثلة والمعتاد في هذا معاملة القصاب بأن يسلم إليه الغنم ويشتري بها اللحم نقدا أو نسيئة فهو حرام ومعاملة الخباز بأن يسلم إليه الحنطة ويشتري بها الخبز نسيئة أو نقدا فهو حرام ومعاملة العصار بأن يسلم إليه البزر والسمسم والزيتون ليأخذ منه الأدهان فهو حرام وكذا اللبان يعطي اللبن ليؤخذ منه الجبن والسمن والزبد وسائر أجراء اللبن فهو أيضا حرام ولا يباع الطعام بغير جنسه من الطعام إلا نقدا وبجنسه إلا نقدا ومتماثلا وكل ما يتخذ من الشيء المطعوم فلا يجوز أن يباع به متماثلا ولا متفاضلا فلا يباع بالحنطة دقيق وخبز وسويق ولا بالعنب والتمر دبس وخل وعصير ولا باللبن سمن وزبد ومخيض ومصل وجبن والمماثلة لا تفيد إذا لم يكن الطعام في حال كمال الادخار فلا يباع الرطب بالرطب والعنب بالعنب متفاضلا ومتماثلا فهذه جمل مقنعة في تعريف البيع والتنبيه على ما يشعر التاجر بمثارات الفساد حتى يستفتي فيها إذا تشكك والتبس عليه شيء منها وإذا لم يعرف هذا لم يتفطن لمواضع السؤال واقتحم الربا والحرام وهو لا يدري العقد الثالث السلم وليراع التاجر فيه عشرة شروط الأول أن يكون رأس المال معلوما على مثله حتى لو تعذر تسليم المسلم فيه أمكن الرجوع إلى قيمة رأس المال فإن أسلم كفا من الدراهم جزافا في كر حنطة لم يصح في أحد القولين الثاني أن يسلم رأس المال في مجلس العقد قبل التفرق فلو تفرقا قبل القبض انفسخ السلم الثالث أن يكون المسلم فيه مما يمكن تعريف أوصافه كالحبوب والحيوانات والمعادن والقطن والصوف والإبريسم والألبان واللحوم ومتاع العطارين وأشباهها ولا يجوز في المعجونات والمركبات وما تختلف أجزاؤه كالقسي المنوعة والنبل المعمول والخفاف والنعال المختلفة أجزاؤها وصنعتها وجلود الحيوانات ويجوز السلم في الخبز وما يتطرق إليه من اختلاف قدر الملح والماء بكثرة الطبخ وقلته يعفى عنه ويتسامح فيه الرابع أن يستقصي وصف هذه الأمور القابلة للوصف حتى لا يبقى وصف تتفاوت به القيمة تفاوتا لا يتغابن بمثله الناس إلا ذكره فإن ذلك الوصف هو القائم مقام الرؤية في البيع الخامس أن يجعل الأجل معلوما إن كان مؤجلا فلا يؤجل إلى الحصاد ولا إلى إدراك انثمار بل إلى الأشهر والأيام فإن الإدراك قد يتقدم وقد يتأخر السادس أن يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل ويؤمن فيه وجوده غالبا فلا ينبغي أن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه وكذا سائر الفواكه فإن كان الغالب وجوده وجاء المحل وعجز عن التسليم بسبب آفة فله أن يمهله إن شاء أو يفسخ ويرجع في رأس المال إن شاء السابع أن يذكر مكان التسليم فيما يختلف الغرض به كي لا يثير ذلك نزاعا الثامن أن لا يعلقه بمعين فيقول من حنطة هذا الزرع أو ثمرة هذا البستان فإن ذلك يبطل كونه دينا نعم لو أضاف إلى ثمرة بلد أو قرية كبيرة لم يضر ذلك التاسع أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود مثل درة موصوفة يعز وجود مثلها أو جارية حسناء معها ولدها أو غير ذلك مما لا يقدر عليه غالبا العاشر أن لا يسلم في طعام مهما كان رأس المال طعاما سواء كان من جنسه أو لم يكن ولا يسلم في نقد إذا كان رأس المال نقدا وقد ذكرنا هذا في الربا العقد الرابع الإجارة وله ركنان الأجرة والمنفعة فأما العاقد واللفظ فيعتبر فيه ما ذكرناه في البيع والأجرة كالثمن فينبغي أن يكون معلوما وموصوفا بكل ما شرطناه في المبيع إن كان عينا فإن كان دينا فينبغي أن يكون معلوم الصفة والقدر وليحترز فيه عن أمور جرت العادة بها وذلك مثل كراء الدار بعمارتها فذلك باطل إذ قدر العمارة مجهول ولو قدر دراهم وشرط على المكترى أن يصرفها إلى العمارة لم يجز لأن عمله في الصرف إلى العمارة مجهول ومنها استئجار السلاخ على أن يأخذ الجلد بعد السلخ واستئجار حمال الجيف بجلد الجيفة واستئجار الطحان بالنخالة أو بعض الدقيق فهو باطل وكذلك كل ما يتوقف حصوله وانفصاله على عمل الأجير فلا يجوز أن يجعل أجرة ومنها أن يقدر في إجارة الدور والحوانيت مبلغ الأجر فلو قال لكل شهر دينار ولم يقدر أشهر الإجارة كانت المدة مجهولة ولم تنعقد الإجارة الركن الثاني المنفعة المقصودة بالإجارة وهي العمل وحده إن كان عمل مباح معلوم يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عن الغير فيجوز الاستئجار عليه وجملة فروع الباب تندرج تحت هذه الرابطة ولكنا لا نطول بشرحها فقد طولنا القول فيها في الفقهيات وإنما نشير إلى ما تعم به البلوى فليراع في العمل المستأجر عليه خمسة أمور الأول أن يكون متقوما بأن يكون فيه كلفة وتعب فلو استأجر طعاما ليزين به الدكان أو أشجارا ليجفف عليها الثياب أو دراهم ليزين بها الدكان لم يجز فإن هذه المنافع تجري مجرى حبة سمسم وحبة بر من الأعيان وذلك لا يجوز بيعه وهي كالنظر في مرآة الغير والشرب من بئره والاستظلال بجداره والاقتباس من ناره ولهذا لو استأجر بياعا على أن يتكلم بكلمة يروج بها سلعته لم يجز وما يأخذه البياعون عوضا عن حشمتهم وجاههم وقبول قولهم في ترويج السلع فهو حرام إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها ولا قيمة لها وإنما يحل لهم ذلك إذ تعبوا بكثرة التردد أو بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل فأما ما تواطأ عليه الباعة فهو ظلم وليس مأخوذا بالحق الثاني أن لا تتضمن الإجارة استيفاء عين مقصودة فلا يجوز إجارة الكرم لارتفاقه ولا إجارة المواشي للبنها ولا إجارة البساتين لثمارها ويجوز استئجار المرضعة ويكون اللبن تابعا لأن إفراده غير ممكن وكذا يتسامح بحبر الورق وخيط الخياط لأنهما لا يقصدان على حيالهما الثالث أن يكون العمل مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يصح استئجار الضعيف على عمل لا يقدر عليه ولا استئجار الأخرس على التعليم ونحوه وما يحرم فعله فالشرع يمنع من تسليمه كالاستئجار على قلع سن سليمة أو قطع عضو لا يرخص الشرع في قطعه أو استئجار الحائض على كنس المسجد أو المعلم على تعليم السحر أو الفحش أو استئجار زوجة الغير على الإرضاع دون إذن زوجها أو استئجار المصور على تصوير الحيوانات أو استئجار الصائغ على صيغة الأواني من الذهب والفضة فكل ذلك باطل الرابع أن لا يكون العمل واجبا على الأجير أو لا يكون بحيث لا تجري النيابة فيه عن المستأجر فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد ولا سائر العبادات التي لا نيابة فيها إذ لا يقع ذلك عن المستأجر ويجوز عن الحج وغسل الميت وحفر القبور ودفن الموتى وحمل الجنائز وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح وعلى الأذان وعلى التصدي للتدريس وإقراء القرآن خلاف أما الاستئجار على تعليم مسئلة بعينها أو تعليم سورة بعينها لشخص معين فصحيح الخامس أن يكون العمل والمنفعة معلوما فالخياط يعرف عمله بالثوب والمعلم يعرف عمله بتعيين السورة ومقدارها وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وبمقدار المسافة وكل ما يثير خصومة في العادة فلا يجوز إهماله وتفصيل ذلك يطول وإنما ذكرنا هذا القدر ليعرف به جليات الأحكام ويتفطن به لمواقع الإشكال فيسأل فإن الاستقصاء شأن المفتي لا شأن العوام العقد الخامس القراض وليراع فيه ثلاثة أركان الركن الأول رأس المال وشرطه أن يكون نقدا معلوما مسلما إلى العامل فلا يجوز القراض على الفلوس ولا على العروض فإن التجارة تضيق فيه ولا يجوز على صرة من الدراهم لأن قدر الربح لا يتبين فيه ولو شرط مالك اليد لنفسه لم يجز لأن فيه تضييق طريق التجارة الركن الثاني الربح وليكن معلوما بالجزئية بأن يشترط له الثلث أو النصف أو ما شاء فلو قال على أن لك من الربح مائة والباقي لي لم يجز إذ ربما لا يكون الربح أكثر من مائة فلا يجوز تقديره بمقدار معين بل بمقدار شائع الثالث العمل الذي على العامل وشرطه أن يكون تجارة غير مضيقة عليه بتعيين وتأقيت فلو شرط أن يشتري بالمال ماشية ليطلب نسلها فيتقاسمان النسل أو حنطة فيخبزها ويتقاسمان الربح لم يصح لأن القراض مأذون فيه في التجارة وهو البيع والشراء وما يقع من ضرورتهما فقط وهذا حرف أعني الخبز ورعاية المواشي ولو ضيق عليه وشرط أن لا يشتري إلا من فلان أو لا يتجر إلا في الخز الأحمر أو شرط ما يضيق باب التجارة فسد العقد ثم مهما انعقد فالعامل وكيل فيتصرف بالغبطة تصرف الوكلاء ومهما أراد المالك الفسخ فله ذلك فإذا فسخ في حالة والمال كله فيها نقد لم يخف وجه القسمة وإن كان عروضا ولا ربح فيه رد عليه ولم يكن للمالك تكليفه أن يرده إلى النقد لأن العقد قد انفسخ وهو لم يلتزم شيئا وإن قال العامل أبيعه وأبى المالك فالمتبوع رأى المالك إلا إذا وجد العامل زبونا يظهر بسببه ربح على رأس المال ومهما كان ربح فعلى العامل بيع مقدار رأس المال بجنس رأس المال لا بنقد آخر حتى يتميز الفاضل ربحا فيشتركان فيه وليس عليهم بيع الفاضل على رأس المال ومهما كان رأس السنة فعليهم تعرف قيمة المال لأجل الزكاة فإذا كان قد ظهر من الربح شيء فالأقيس أن زكاة نصيب العامل على العامل وأنه يملك الربح بالظهور وليس للعامل أن يسافر بمال القراض دون إذن المالك فإن فعل صحت تصرفاته ولكنه إذا فعل ضمن الأعيان والأثمان جميعا لأن عدوانه بالنقل يتعدى إلى ثمن المنقول وإن سافر بالإذن جاز ونفقة النقل وحفظ المال على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الذي لا يعتاد التاجر مثله على رأس المال فأما نشر الثوب وطيه والعمل اليسير المعتاد فليس له أن يبذل عليه أجرة وعلى العامل نفقته وسكناه في البلد وليس عليه أجرة الحانوت ومهما تجرد في السفر لمال القراض فنفقته في السفر على مال القراض فإذا رجع فعليه أن يرد بقايا آلات السفر من المطهرة والسفرة وغيرها العقد السادس الشركة وهي أربعة أنواع ثلاثة منها باطلة الأول شركة المفاوضة وهو أن يقولا تفاوضنا لنشترك في كل مالنا وعلينا ومالاهما ممتازان فهي باطلة الثاني شركة الأبدان وهو أن يتشارطا الاشتراك في أجرة العمل فهي باطلة الثالث شركة الوجوه وهو أن يكون لأحدهما حشمة وقول مقبول فيكون من جهته التنفيل ومن جهة غيره العمل فهذا أيضا باطل وإنما الصحيح العقد الرابع المسمى شركة العنان وهو أن يختلط مالاهما بحيث يتعذر التمييز بينهما إلا بقسمه ويأذن كل منهما لصاحبه في التصرف ثم حكمهما توزيع الربح والخسران على قدر المالين ولا يجوز أن يغير ذلك بالشرط ثم بالعزل يمتنع التصرف عن المعزول وبالقسمة ينفصل الملك عن الملك والصحيح أنه يجوز عقد الشركة على العروض المشتراة ولا يشترط النقد بخلاف القراض فهذا القدر من علم الفقه يجب تعلمه على كل مكتسب وإلا اقتحم الحرام من حيث لا يدري وأما معاملة القصاب والخباز والبقال فلا يستغنى عنها المكتسب وغير المكتسب والخلل فيها من ثلاثة وجوه من إهمال شروط البيع أو إهمال شروط السلم أو الاقتصار على المعاطاة إذ العادات جارية بكتبه الخطوط على هؤلاء بحاجات كل يوم ثم المحاسبة في كل مدة ثم التقويم بحسب ما يقع عليه التراضي وذلك مما نرى القضاء بإباحته للحاجة ويحمل تسليمهم على إباحة التناول مع انتظار العوض فيحل أكله ولكن يجب الضمان بأكله وتلزم قيمته يوم الإتلاف فتجتمع في الذمة تلك القيم فإذا وقع التراضي على مقدار ما فينبغي أن يلتمس منهم الإبراء المطلق لا تبقى عليه عهدة إن تطرق إليه تفاوت في التقويم فهذا ما تجب القناعة به فإن تكليف وزن الثمن لكل حاجة من الحوائج في كل يوم وكل ساعة تكليف شطط وكذا تكليف الإيجاب والقبول وتقدير ثمن كل قدر يسير منه فيه عسر وإذا كثر كل نوع سهل تقويمه والله الموفق الباب الثالث في بيان العدل واجتناب الظلم في المعاملة اعلم أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها ولكنها تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد وهذا الظلم يعني به ما استضر به الغير وهو منقسم إلى ما يعم ضرره والى ما يخص المعامل القسم الأول فيما يعم ضرره وهو أنواع النوع الأول الاحتكار فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار وهو ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره حديث من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي والخطيب في التاريخ من حديث أنس بسندين ضعيفين وروى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قال من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه حديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه رواه أحمد والحاكم بسند جيد وقال ابن عدي ليس بمحفوظ من حديث ابن عمر وقيل فكأنما قتل الناس جميعا وعن علي رضي الله عنه من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه وعنه أيضا أنه أحرق طعام محتكر بالنار وروي في فضل ترك الاحتكار عنه صلى الله عليه وسلم  من جلب طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة حديث من جلب طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ما من جالب يجلب طعاما إلى بلد من بلدان المسلمين فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهيد وللحاكم من حديث اليسع بن المغيرة إن الجالب إلى سوقا كالمجاهد في سبيل الله وهو مرسل وقيل في قوله تعالى ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة ولا تؤخره إلى غد فوافق سعة في السعر فقال له التجار لو أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه فأخره جمعة فربح فيه أمثاله وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين فقد جنيت علينا جناية فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال كله فتصدق به على فقراء البصرة وليتني أنجو من إثم الاحتكار كفافا لا علي ولا لي واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسدا يغني عن القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهذا في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات وعليه تدل الحكاية التي ذكرنا في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضر ما فأما إذا اتسعت الأطعمة وكثرت واستغنى الناس عنها ولم يرغبوا فيها إلا بقيمة قليلة فانتظر صاحب الطعام ذلك ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار وإذا كان الزمان زمان قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية فإنه ينتظر مبادئ الضرار وهو ارتفاع الأسعار وانتظار مبادئ الضرار محذور كانتظار عين الضرار ولكنه دونه وانتظار عين الضرار أيضا هو دون الإضرار فبقدر درجات الإضرار تتفاوت درجات الكراهية والتحريم وبالجملة التجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح والأقوات أصول خلقت قواما والربح من المزايا فينبغي أن يطلب الربح فيما خلق من جملة المزايا التي لا ضرورة للخلق إليها ولذلك أوصى بعض التابعين رجلا وقال لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى الغلاء وموت الناس والصنعتان أن يكون جزارا فإنها صنعة تقسي القلب أو صواغا فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة النوع الثاني ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد فهو ظلم إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك الثالث والرابع ولا يزال يتردد في الأيدي ويعمم الضرر ويتسع الفساد ويكون وزر الكل ووباله راجعا عليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا حديث من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله وقال بعضهم إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه وزرها بعد موته إلى مائة سنة أو مائتي سنة إلى أن يفنى ذلك الدرهم ويكون عليه ما فسد من أموال الناس بسنته وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل عنها إلى آخر انقراضها وقال تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم أي نكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه وفي مثله قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره وليعلم أن في الزيف خمسة أمور الأول أنه إذا رد عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز الثاني أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زيفا وهو لا يدري فيكون آثما بتقصيره في تعلم ذلك العلم فكل علم عمل به يتم نصح المسلمين فيجب تحصيله ولمثل هذا كان السلف يتعلمون علامات النقد نظرا لدينهم لا لدنياهم الثالث أنه إن سلم وعرف المعامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا يخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان لا يرغب في أخذه أصلا فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معامله فقط الرابع أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم  رحم الله امرأ سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء أخرجه البخاري من حديث جابر فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر وإن كان عازما على أن يروجه في معاملة فهذا شر روجه الشيطان عليه في معرض الخير فلا يدخل تحت من تساهل في الاقتضاء الخامس أن الزيف نعني به ما لا نقرة فيه أصلا بل هو مموه أو ما لا ذهب فيه أعني في الدنانير أما ما فيه نقرة فإن كان مخلوطا بالنحاس وهو نقد البلد فقد اختلف العلماء في المعاملة عليه وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر النقرة فإن كان في ماله قطعة نقرتها ناقصة عن نقد البلد فعليه أن يخبر به معامله وأن لا يعامل به إلا من لا يستحل الترويج في جملة النقد بطريق التلبيس فأما من يستحل ذلك فتسليمه إليه تسليط له على الفساد فهو كبيع العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا وذلك محظور وإعانة على الشر ومشاركة فيه وسلوك طريق الحق بمثال هذا في التجارة أشد من المواظبة على نوافل العبادات والتخلي لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد كان السلف يحتاطون في مثل ذلك حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال حملت على فرسي لأقتل علجا فقصر بي فرسي فرجعت ثم دنا مني العلج فحملت ثانية فقصر فرسي فرجعت ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه فرجعت حزينا وجلست منكس الرأس منكسر القلب لما فاتني من العلج وما ظهر لي من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن الفرس يخاطبني ويقول لي بالله عليك أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات وأنت بالأمس اشتريت لي علفا ودفعت في ثمنه درهما زائفا لا يكون هذا أبدا قال فانتبهت فزعا فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ضرره وليقس عليه أمثاله القسم الثاني ما يخص ضرره المعامل فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم والضابط الكلي فيه أن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما لو عومل به شق عليه وثقل على قلبه فينبغي أن لا يعامل غيره به بل ينبغي أن يستوي عنده درهمه ودرهم غيره قال بعضهم من باع أخاه شيئا بدرهم وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا بخمسة دوانق فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذه جملته فأما تفصيله ففي أربعة أمور أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصلا وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئا وأن لا يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لامتنع عنه أما الأول فهو ترك الثناء فإن وصفه للسلعة إن كان بما ليس فيها فهو كذب فإن قبل المشتري ذلك فهو تلبيس وظلم مع كونه كذبا وإن لم يقبل فهو كذب وإسقاط مروءة إذ الكذب الذي لا يروج قد لا يقدح في ظاهر المروءة وإن أثنى على السلعة بما فيها فهو هذيان وتكلم بكلام لا يعنيه وهو محاسب على كل كلمة تصدر منه أنه لم تكلم بها قال الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد إلا أن يثني على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشتري ما لم يذكره كما يصفه من خفى أخلاق العبيد والجواري والدواب فلا بأس بذكر القدر الموجود منه من غير مبالغة وإطناب وليكن قصده منه أن يعرفه أخوه المسلم فيرغب فيه وتنقضي بسببه حاجته ولا ينبغي أن يحلف عليه ألبتة فإنه إن كان كاذبا فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع وإن كان صادقا فقد جعل الله تعالى عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذ الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة وفي الخبر ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل للصانع من غد وبعد حديث ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل للصانع من غد وبعد غد لم أقف له على أصل وذكر صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بغير إسناد نحوه وفي الخبر اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة حديث اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ الحلف وهو عند البيهقي بلفظ المصنف وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه حديث أبي هريرة ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عائل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه أخرجه مسلم من حديثه إلا أنه لم يذكر فيها إلا عائل مستكبر ولهما ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر مما أعطى وهو كاذبالحديث ولمسلم من حديث أبي ذر المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروها من حيث إنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين وقد روى عن يونس بن عبيد وكان خزازا أنه طلب منه خز للشراء فأخرج غلامه سقط الخز ونشره ونظر إليه وقال اللهم ارزقنا الجنة فقال لغلامه رده إلى موضعه ولم يبعه وخاف أن يكون ذلك تعريضا بالثناء على السلعة فمثل هؤلاء الذين اتجروا في الدنيا ولم يضيعوا دينهم في تجاراتهم بل علموا أن ربح الآخرة أولى بالطلب من ربح الدنيا الثاني أن يظهر جميع عيوب المبيع خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل وأمثاله ويدل على تحريم الغش ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم  برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فيه فرأى بللا فقال ما هذا قال أصابته السماء فقال فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا حديث مر برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فرأى بللا فقال ما هذاالحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما بايع جريرا على الإسلام ذهب لينصرف فجذب ثوبه واشترط عليه النصح لكل مسلم حديث جرير بن عبد الله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  على النصح لكل مسلم متفق عليه فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها ثم خيره وقال إن شئت فخذ وإن شئت فاترك فقيل له إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  على النصح لكل مسلم وكان واثلة بن الأسقع واقفا فباع رجل ناقة له بثلثمائة درهم فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة فسعى وراءه وجعل يصيح به يا هذا اشتريتها للحم أو للظهر فقال بل للظهر فقال إن بخفها نقبا قد رأيته وإنها لا تتابع السير فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم وقال لواثلة رحمك الله أفسدت علي بيعي فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  على النصح لكل مسلم وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه حديث واثلة لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا انه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين أحدهما أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ببركته وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دفعة واحدة فقد حكي أن واحدا كان له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه فجاء سيل فغرق البقرة فقال بعض أولاده إن تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة واحدة وأخذت البقرة كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم  البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعهما حديث البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهماالحديث متفق عليه من حديث حكيم بن حزام وفي الحديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما حديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما رواه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد فإذا لا يزيد مال من خيانة كما لا ينقص من صدقة من لا يعرف الزيادة والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سببا لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف معنى قولنا إن الخيانة لا تزيد في المال والصدقة لا تنقص منه والمعنى الثاني الذي لا بد من اعتقاده ليتم له النصح ويتيسر عليه أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا وأن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر وتبقى مظالمها وأوزارها فكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم حديث لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على أخراهمالحديث رواه أبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي رواية للترمذي الحكيم في النوادر حتى إذا نزلوا بالمنزل الذي لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهمالحديث وللطبراني في الأوسط نحوه من حديث عائشة وهو ضعيف أيضا وفي لفظ آخر ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين وفي حديث آخر من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما إخلاصه قال أن يحرزه عما حرم الله حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما إخلاصها قال تحجزه عما حرم الله أخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم في معجمه الكبير والأوسط بإسناد حسن وقال أيضا ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ومن علم أن هذه الأمور قادحة في إيمانه وأن إيمانه رأس ماله في الآخرة لم يضيع رأس ماله المعد لعمر لا آخر له بسبب ربح ينتفع به أياما معدودة وعن بعض التابعين أنه قال لو دخلت الجامع ومع وهو غاص بأهله وقيل لي من خير هؤلاء لقلت من أنصحهم لهم فإذا قالوا هذا قلت هو خيرهم ولو قيل لي من شرهم قلت من أغشهم لهم فإذا قيل هذا قلت هو شرهم والغش حرام في البيوع والصنائع جميعا ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه بل ينبغي أن يحسن الصنعة ويحكمها ثم يبين عيبها إن كان فيها عيب فبذلك يتخلص وسأل رجل حداء بن سالم فقال كيف لي أن أسلم في بيع النعال فقال اجعل الوجهين سواء ولا تفضل اليمنى على الأخرى وجود الحشو وليكن شيئا واحدا تاما وقارب بين الخرز ولا تطبق إحدى النعلين على الأخرى ومن هذا الفن ما سئل عنه أحمد بن حنبل رحمه الله من الرفو بحيث لا يتبين قال لا يجوز لمن يبيعه أن يخفيه وإنما يحل للرفا إذا علم أنه يظهره أو أنه لا يريده للبيع فإن قلت فلا تتم المعاملة مهما وجب على الإنسان أن يذكر عيوب المبيع فأقول ليس كذلك إذ شرط التاجر أن لا يشتري للبيع إلا الجيد الذي يرتضيه لنفسه لو أمسكه ثم يقنع في بيعه بربح يسير فيبارك الله له فيه ولا يحتاج إلى تلبيس وإنما تعذر هذا لأنهم لا يقنعون بالربح اليسير وليس يسلم الكثير إلا بتلبيس فمن تعود هذا لم يشتر المعيب فإن وقع في يده معيب نادرا فليذكره وليقنع بقيمته باع ابن سيرين شاة فقال للمشتري أبرأ إليك من عيب فيها إنها تقلب العلف برجلها وباع الحسن بن صالح جارية فقال للمشتري إنها تنخمت مرة عندنا دما فهكذا كانت سيرة أهل الدين فمن لا يقدر عليه فليترك المعاملة أو ليوطن نفسه على عذاب الآخرة الثالث إلا يكتم في المقدار شيئا وذلك بتعديل الميزان والاحتياط فيه وفي الكيل فينبغي أن يكيل كما يكتال قال الله تعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ولا يخلص من هذا إلا بأن يرجع إذا أعطي وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر بظهور الزيادة والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه وكان بعضهم يقول لا أشتري الويل من الله بحبة فكان إذا أخذ نقص نصف حبة وإذا أعطى زاد حبة وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض وما أخسر من باع طوبى بويل وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه لأنها مظالم لا يمكن التوبة منها إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدي حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم  شيئا قال للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح حديث قال للوزان زن وأرجح رواه أصحاب السنن والحاكم من حديث سويد بن قيس قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا يريد أن يصرفه ويزيل تكحيله وينقيه حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال يا بني فعلك هذا أفضل من حجتين وعشرين عمرة وقال بعض السلف عجبت للتاجر والبائع كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام بالليل وقال سليمان عليه السلام لابنه يا بني كما تدخل الحبة بين الحجرين كذلك تدخل الخطيئة بين المتبايعين وصلى بعض الصالحين على مخنث فقيل له إنه كان فاسقا فسكت فأعيد عليه فقال كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يعطي بأحدهما ويأخذ بالآخر أشار به إلى أن فسقه مظلمة بينه وبين الله تعالى وهذا من مظالم العباد والمسامحة والعفو فيه أبعد والتشديد في أمر الميزان عظيم والخلاص منه يحصل بحبة ونصف حبة وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان أي لسان الميزان فإن النقصان والرجحان يظهر بميله وبالجملة كل من ينتصف لنفسه من غيره ولو في كلمة ولا ينصف بمثل ما ينتصف فهو داخل تحت قوله تعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون الآيات فإن تحريم ذلك في المكيل ليس لكونه مكيلا بل لكونه أمرا مقصودا ترك العدل والنصفة فيه فهو جار في جميع الأعمال فصاحب الميزان في خطر الويل وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته فالويل له إن عدل عن العدل ومال عن الاستقامة ولولا تعذر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فلا ينفك عبد ليس معصوما عن الميل عن الاستقامة إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتا عظيما فلذلك تتفاوت مدة مقامهم في النار إلى أوان الخلاص حتى لا يبقى بعضهم إلا بقدر تحلة القسم ويبقى بعضهم ألفا وألوف سنين فنسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل فإن الاشتداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه فإنه أدق من الشعرة وأحد من السيف ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار الذي من صفته أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وبقدر الاستقامة على هذا الصراط المستقيم يخف العبد يوم القيامة على الصراط وكل من خلط بالطعام ترابا أو غيره ثم كاله فهو من المطففين في الكيل وكل قصاب وزن مع اللحم عظما لم تجر العادة بمثله فهو من المطففين في الوزن وقس على هذا سائر التقديرات حتى في الذرع الذي يتعاطاه البزاز فإنه إذا اشترى أرسل الثوب في وقت الذرع ولم يمده مدا وإذا باعه مده في الذرع ليظهر تفاوتا في القدر فكل ذلك من التطفيف المعرض صاحبه للويل الرابع أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئا فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن تلقي الركبان حديث النهي عن تلقي الركبان متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة ونهى عن النجش حديث النهي عن النجش متفق عليه من حديث ابن عمر وأبي هريرة أما تلقي الركبان فهو أن يستقبل الرفقة ويتلقى المتاع ويكذب في سعر البلد فقد قال صلى الله عليه وسلم  لا تتلقوا الركبان ومن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق وهذا الشراء منعقد ولكنه إن ظهر كذبه ثبت للبائع الخيار وإن كان صادقا ففي الخيار خلاف لتعارض عموم الخبر مع زوال التلبيس ونهى أيضا أن يبيع حاضر لباد حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأنس وهو أن يقدم البدوي البلد ومعه قوت يريد أن يتسارع إلى بيعه فيقول له الحضري اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر ارتفاع سعره وهذا في القوت محرم وفي سائر السلع خلاف والأظهر تحريمه لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن النجش وهو أن يتقدم إلى البائع بين يدي الراغب المشتري ويطلب السلعة بزيادة وهو لا يريدها وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه والبيع منعقد وإن جرى مواطأة ففي ثبوت الخيار خلاف والأولى إثبات الخيار لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة وتلقي الركبان فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال فاشترى سكرا كثيرا فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا فانصرف إلى منزله فأفكر ليلته وقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين فلما أصبح غدا إلى بائع السكر فدفع إليه ثلاثين ألفا وقال بارك الله لك فيها فقال ومن أين صارت لي فقال إني كتمتك حقيقة الحال وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن وقد طيبتها لك قال فرجع بها إلى منزله وتفكر وبات ساهرا وقال ما نصحته فلعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد وقال عافاك الله خذ مالك إليك فهو أطيب لقلبي فأخذ منه ثلاثين ألفا فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالما تاركا للعدل والنصح للمسلمين ومهما باع مرابحة بأن يقول بعت بما قام على أو بما اشتريته فعليه أن يصدق ثم يجب عليه أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب أو نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو اشترى مسامحة من صديقه أو ولده يجب ذكره لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا يترك النظر لنفسه فإذا تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره إذ الاعتماد فيه على أمانته الباب الرابع في الإحسان في المعاملة وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعا والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجارة مجرى رأس المال والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال عز وجل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم وقد ذكرناه وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور الأول في المغابنة فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي بكم اشتريت فقال بأربعمائة فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له يونس انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من باب الظلم وقد سبق وفي الحديث غبن المسترسل حرام حديث غبن المسترسل حرام أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف والبيهقي من حديث جابر بسند جيد وقال ربا بدل حرام وكان الزبير بن عدي يقول أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحما بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كر لوز بستين دينارا وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال خذه قال بكم فقال بثلاثة وستين فقال الدلال وكان من الصالحين فقد صار اللوز بتسعين فقال السرى قد عقدت عقدا لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين فقال الدلال وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلما لست آخذ منك إلا بتسعين قال فلا الدلال اشترى منه ولا السرى باعه فهذا محض الإحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة فقال يا هذا قد رضيت فقال وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك فقال أعطني خمسة فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول من هذا الشيخ فقيل له هذا محمد بن المنكدر فقال لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفا أو واحد على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحا كثيرا وبه تظهر البركة كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما سبب يسارك قال ثلاث ما رددت ربحا قط ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه ولا بعت بنسيئة ويقال إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها باع كل عقال بدرهم فربح فيها ألفا وربح من نفقته عليها ليومه ألفا الثاني في احتمال الغبن والمشتري إن اشترى طعاما من ضعيف أو شيئا من فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل ويكون به محسنا وداخلا في قوله صلى الله عليه وسلم  رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء فأما إذا اشترى من غني تاجر يطلب الربح زيادة على حاجته فاحتمال الغبن منه ليس محمودا بل هو تضييع مال من غير أجر ولا حمد فقد ورد في حديث من طريق أهل البيت المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور حديث المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من رواية عبيد الله بن الحسن عن أبيه عن جده ورواه أبو يعلى من حديث الحسين بن علي يرفعه قال الذهبي هو منكر وكان إياس ابن معاوية بن قرة قاضي البصرة وكان من عقلاء التابعين يقول لست بخب والخب لا يغبنني ولا يغبن ابن سيرين ولكن يغبن الحسن ويغبن أبي يعني معاوية بن قرة والكمال في أن لا يغبن ولا يغبن كما وصف بعضهم عمر رضي الله عنه فقال كان أكرم من أن يخدع وأعقل من أن يخدع وكان الحسن والحسين وغيرهما من خيار السلف يستقصون في الشراء ثم يهبون مع ذلك الجزيل من المال فقيل لبعضهم تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ولا تبالي فقال إن الواهب يعطي فضله وإن المغبون يغبن عقله وقال بعضهم إنما أغبن عقلي وبصري فلا أمكن الغابن منه وإذا وهبت أعطى لله ولا أستكثر منه شيئا الثالث في استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه مرة بالمسامحة وحط البعض ومرة بالإمهال والتأخير ومرة بالمساهلة في طلب جودة النقد وكل ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم  رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل الاقتضاء حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء تقدم في الباب قبله فليغتنم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم  وقال صلى الله عليه وسلم  اسمح يسمح لك حديث اسمح يسمح لك أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ورجاله ثقات وقال صلى الله عليه وسلم  من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله حديث من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله رواه مسلم باللفظ الثاني من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم  رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسر وأنظروا المعسر حديث ذكر رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسرالحديث رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري وهو متفق عليه بنحوه من حديث حذيفة وفي لفظ آخر وتجاوزوا عن المعسر فقال الله تعالى نحن أحق بذلك منه فتجاوز الله عنه وغفر له وقال صلى الله عليه وسلم  من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة حديث من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة أخرجه ابن ماجة من حديث بريدة من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة ومن أنظره بعد أجله كان له مثله في كل يوم صدقة وسنده ضعيف ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وقد كان من السلف من لا يحب أن يقضي غريمه الدين لأجل هذا الخبر حتى يكون كالمتصدق بجميعه في كل يوم وقال صلى الله عليه وسلم  رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة حديث رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة أخرجه ابن ماجة من حديث أنس بإسناد ضعيف فقيل في معناه إن الصدقة تقع في يد المحتاج وغير المحتاج ولا يحتمل ذل الاستقراض إلا محتاج ونظر النبي صلى الله عليه وسلم  إلى رجل يلازم رجلا بدين فأومأ إلى صاحب الدين بيده أن ضع الشطر ففعل فقال للمديون قم فأعطه حديث أومأ إلى صاحب الدين بيده ضع الشطرالحديث متفق عليه من حديث كعب بن مالك وكل من باع شيئا وترك ثمنه في الحال ولم يرهق إلى طلبه فهو في معنى المقرض وروي أن الحسن البصري باع بغلة له بأربعمائة درهم فلما استوجب المال قال له المشتري اسمح يا أبا سعيد قال قد أسقطت عنك مائة قال له فأحسن يا أبا سعيد فقال قد وهبت لك مائة أخرى فقبض من حقه مائتي درهم فقيل له يا أبا سعيد هذا نصف الثمن فقال هكذا يكون الإحسان وإلا فلا وفي الخبر خذ حقك في كفاف وعفاف واف أو غير واف يحاسبك الله حسابا يسيرا حديث خذ حقك في عفافالحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن دون قوله يحاسبك الله حسابا يسيرا وله ولابن حبان والحاكم وصححه نحوه من حديث ابن عمر وعائشة الرابع في توفية الدين ومن الإحسان فيه حسن القضاء وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحق ولا يكلفه أن يمشي إليه يتقاضاه فقد قال صلى الله عليه وسلم  خيركم أحسنكم قضاء حديث خيركم أحسنكم قضاء متفق عليه من حديث أبي هريرة ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر إليه ولو قبل وقته وليسلم أجود مما شرط عليه وأحسن وإن عجز فلينو قضاءه مهما قدر قال صلى الله عليه وسلم  من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل الله به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه حديث من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه أخرجه أحمد من حديث عائشة ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان معه من الله عون وحافظ وفي رواية له لم يزل معه من الله حارس وفي رواية للطبراني في الأوسط إلا كان معه عون من الله عليه حتى يقضيه عنه وكان جماعة من السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما كلمه صاحب الحق بكلام خشن فليحتمله وليقابله باللطف اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم  إذ جاءه صاحب الدين عند حلول الأجل ولم يكن قد اتفق قضاؤه فجعل الرجل يشدد الكلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا حديث دعوه فإن لصاحب الحق مقالا متفق عليه من حديث أبي هريرة ومهما دار الكلام بين المستقرض والمقرض فالإحسان أن يكون الميل الأكثر للمتوسطين إلى من عليه الدين فإن المقرض يقرض عن غنى والمستقرض يستقرض عن حاجة وكذلك ينبغي أن تكون الإعانة للمشتري أكثر فإن البائع راغب عن السلعة يبغي ترويجها والمشتري محتاج إليها هذا هو الأحسن إلا أن يتعدى من عليه الدين حده فعند ذلك نصرته في منعه عن تعد به وإعانة صاحبه إذ قال صلى الله عليه وسلم  أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل كيف ننصره ظالما فقال منعك إياه من الظلم نصرة له حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوماالحديث متفق عليه من حديث أنس الخامس أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه قال صلى الله عليه وسلم  من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة حديث من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم أو كما قال السادس أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة فقد كان في صالحي السلف من له دفتران للحساب أحدهما ترجمته مجهولة فيه أسماء من لا يعرفه من الضعفاء والفقراء وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة فيشتهيه فيقول أحتاج إلى خمسة أرطال مثلا من هذا وليس معي ثمنه فكان يقول خذه واقض ثمنه عند الميسرة ولم يكن يعد هذا من الخيار بل عد من الخيار من لم يكن يثبت اسمه في الدفتر أصلا ولا يجعله دينا لكن يقول خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة فهذه طرق تجارات السلف وقد اندرست والقائم به محي لهذه السنة وبالجملة التجارة محك الرجال وبها يمتحن دين الرجل وورعه ولذلك قيل لا يغرنك من المرء قميص رقعه أو إزارا فوق كعب الساق منه رفعه أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه ولدى الدرهم فانظر غيه أو ورعه ولذلك قيل إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر وأصحابه في السفر ومعاملوه في الأسواق فلا تشكوا في صلاحه وشهد عند عمر رضي الله عنه شاهد فقال ائتني بمن يعرفك فأتاه برجل فأثنى عليه خيرا فقال عمر أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه قال لا فقال كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق فقال لا قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل قال لا قال أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورا ويرفعه أخرى قال نعم فقال اذهب فلست تعرفه وقال للرجل اذهب فائتني بمن يعرفك الباب الخامس في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته ولا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده فيكون عمره ضائعا وصفقته خاسرة وما يفوته من الربح في الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا فيكون اشترى الحياة الدنيا بالآخرة بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه وشفقته على نفسه يحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه وتجارته فيه قال بعض السلف أولى الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا فتنظمه قال الله تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات وإنما تتم شفقة التاجر على دينه بمراعاة سبعة أمور الأول حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم واستعانة بما يكسبه على الدين وقياما بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ولينو النصح للمسلمين وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ولينو اتباع طريق العدل والإحسان في معاملته كما ذكرناه ولينو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملا في طريق الآخرة فإن استفاد مالا فهو مزيد وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة الثاني أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات فإن الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق فانتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ولو أقبل كلهم على صنعة واحدة لتعطلت البواقي وهلكوا وعلى هذا حمل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم  اختلاف أمتي رحمة حديث اختلاف أمتي رحمة تقدم في العلم أي اختلاف همهم في الصناعات والحرف ومن الصناعات ما هي مهمة ومنها ما يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم والتزين في الدنيا فليشتغل بصناعة مهمة ليكون في قيامه بها كافيا عن المسلمين مهما في الدين وليجتنب صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم ومن جملة ذلك خياطة الخياط القباء من الإبر يسم للرجال وصياغة الصائغ مراكب الذهب أو خواتيم الذهب للرجال فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام ولذلك أوجبنا الزكاة فيها وإن كنا لا نوجب الزكاة في الحلي لأنها إذا قصدت للرجال فهي محرمة وكونها مهيأة للنساء لا يلحقها بالحلي المباح ما لم يقصد ذلك بها فيكتسب حكمها من القصد وقد ذكرنا أن بيع الطعام وبيع الأكفان مكروه لأنه يوجب انتظار موت الناس وحاجتهم بغلاء السعر ويكره أن يكون جزارا لما فيه من قساوة القلب وأن يكون حجاما أو كناسا لما فيه من مخامرة النجاسة وكذا الدباغ وما في معناه وكره ابن سيرين الدلالة وكره قتادة أجرة الدلال ولعل السبب فيه قلة استغناء الدلال عن الكذب والإفراط في الثناء على السلعة لترويجها ولأن العمل فيه لا يتقدر فقد يقل وقد يكثر ولا ينظر في مقدار الأجرة إلى عمله بل إلى قدر قيمة الثوب هذا هو العادة وهو ظلم بل ينبغي أن ينظر إلى قدر التعب وكرهوا شراء الحيوان للتجارة لأن المشتري يكره قضاء الله فيه وهو الموت الذي بصدده لا محالة وحلوله وقيل بع الحيوان واشتر الموتان وكرهوا الصرف لأن الاحتراز فيه عن دقائق الربا عسير ولأنه طلب لدقائق الصفات فيما لا يقصد أعيانها وإنما يقصد رواجها وقلما يتم للصيرفي ربح إلا باعتماد جهالة معامله بدقائق النقد فقلما يسلم الصيرفي وإن احتاط ويكره للصيرفي وغيره كسر الصحيح والدنانير إلا عند الشك في جودته أو عند ضرورة قال أحمد بن حنبل رحمه الله ورد نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  حديث النهي عن كسر الدينار والدرهم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم من رواية علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس زاد الحاكم أن يكسر الدرهم فيجعل فضة ويكسر الدينار فيجعل ذهبا وضعفه ابن حبان وعن أصحابه في الصياغة من الصحاح وأنا أكره الكسر وقال يشتري بالدنانير دراهم ثم يشتري بالدرهم ذهبا ويصوغه واستحبوا تجارة البز قال سعيد بن المسيب ما من تجارة أحب إلي من البز ما لم يكن فيها أيمان وقد روي خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز حديث خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز لم أقف له على إسناد وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب وفي حديث آخر لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف حديث لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف وروى أبو يعلى والعقيلي في الضعفاء الشطر الأول من حديث أبي بكر الصديق وقد كان غالب أعمال الأخيار من السلف عشر صنائع الخرز والتجارة والحمل والخياطة والحذو والقصارة وعمل الخفاف وعمل الحديد وعمل المغازل ومعالجة صيد البر والبحر والوراقة قال عبد الوهاب الوراق قال لي أحمد بن حنبل ما صنعتك قلت الوراقة قال كسب طيب ولو كنت صانعا بيدي لصنعت صنعتك ثم قال لي لا تكتب إلا مواسطة واستبق الحواشي وظهور الأجزاء وأربعة من الصناع موسومون عند الناس بضعف الرأي الحاكة والقطانون والمغازليون والمعلمون ولعل ذلك لأن أكثر مخالطتهم مع النساء والصبيان ومخالطة ضعفاء العقول تضعف العقل كما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل وعن مجاهد أن مريم عليها السلام مرت في طلبها لعيسى عليه السلام بحاكة فطلبت الطريق فأرشدوها غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم فقراء وحقرهم في أعين الناس فاستجيب دعاؤها وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات كغسل الموتى ودفنهم وكذا الأذان وصلاة التراويح وإن حكم بصحة الاستئجار عليه وكذا تعليم القرآن وتعليم علم الشرع فإن هذه أعمال حقها أن يتجر فيها للآخرة وأخذ الأجرة عليها استبدال بالدنيا عن الآخرة ولا يستحب ذلك الثالث أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة وأسواق الآخرة المساجد قال الله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته فيلازم المسجد ويواظب على الأوراد كان عمر رضي الله عنه يقول للتجار اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم وكان صالحو السلف يجعلون أول النهار وآخره للآخرة والوسط للتجارة ولم يكن يبيع الهريسة والرءوس بكرة إلا الصبيان وأهل الذمة لأنهم كانوا في المساجد بعد وفي الخبر إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي آخره ذكر الله وخير كفر الله عنهما ما بينهما من سيئ الأعمال حديث إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفي أول النهار وآخره ذكر وخير كفر الله ما بينهما من سيئ الأعمال أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف بمعناه وفي الخبر تلتقي ملائكة الليل والنهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وجئناهم وهم يصلون فيقول الله سبحانه وتعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم حديث تلتقي ملائكة الليل وملائكة النهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله وهو أعلم كيف تركتم عباديالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الغداة وصلاة العصرالحديث ثم مهما سمع الأذان في وسط النهار للأولى والعصر فينبغي أن لا يعرج على شغل وينزعج عن مكانه ويدع كل ما كان فيه فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها ومهما لم يحضر الجماعة عصى عند بعض العلماء وقد كان السلف يبتدرون عند الأذان ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمة وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات وكان ذلك معيشة لهم وقد جاء في تفسير قوله تعالى لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله أنهم كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة الرابع أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل قال صلى الله عليه وسلم  ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وكالحي بين الأموات وفي لفظ آخر كالشجرة الخضراء بين الهشيم وقال صلى الله عليه وسلم  من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة حديث من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك لهالحديث تقدم في الأذكار وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر وقال الحسن ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوء كضوء القمر وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر الله له بعدد أهلها وكان عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة وقال أبو جعفر الفرغاني كنا يوما عند الجنيد فجرى ذكر ناس يجلسون في المساجد ويتشبهون بالصوفية ويقصرون عما يجب عليهم من حق الجلوس ويعيبون من يدخل السوق فقال الجنيد كم ممن هو في السوق حكمه أن يدخل المسجد ويأخذ بأذن بعض من فيه فيخرجه ويجلس مكانه وإني لأعرف رجلا يدخل السوق ورده كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثون ألف تسبيحة قال فسبق إلي وهمي أنه يعني نفسه فهكذا كانت تجارة من يتجر لطلب الكفاية لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ربح الآخرة والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى قال صلى الله عليه وسلم  اتق الله حيثما كنت حديث اتق الله حيثما كنت أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وصححه فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل من أحب الآخرة عاش ومن أحب الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش والعاقل عن عيوب نفسه فتاش الخامس أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج وبأن يركب البحر في التجارة فهما مكروهان يقال إن من ركب البحر فقد استقصى في طلب الرزق وفي الخبر لا يركب البحر إلا لحج أو عمرة أو غزو حديث لا تركب البحر إلا لحجة أو عمرة أو غزو أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه منقطع وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول لا تكن أول داخل في السوق ولا آخر خارج منها فإن بها باض الشيطان وفرخ روي عن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر أن إبليس يقول لولده زلنبور سر بكتائبك فأت أصحاب الأسواق زين لهم الكذب والحلف والخديعة والمكر والخيانة وكن مع أول داخل وآخر خارج منها وفي الخبر شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا حديث شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا تقدم صدر الحديث في الباب السادس من العلم وروى أبو نعيم في كتاب حرمة المساجد من حديث ابن عباس أبغض البقاع إلى الله الأسواق وأبغض أهلها إلى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا وتمام هذا الاحتراز أن يراقب وقت كفايته فإذا حصل كفاية وقته انصرف واشتغل بتجارة الآخرة هكذا كان صالحو السلف فقد كان منهم من إذا ربح دانقا انصرف قناعة به وكان حماد بن سلمة يبيع الخز في سفط بين يديه فكان إذا ربح حبتين رفع سفطه وانصرف وقال إبراهيم بن بشار قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله أمر اليوم أعمل في الطين فقال يا ابن بشار إنك طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد كفيته أما رأيت حريصا محروما وضعيفا مرزوقا فقلت إن لي دانقا عند البقال فقال عز على بك تملك دانقا وتطلب العمل وقد كان فيهم من ينصرف بعد الظهر ومنهم بعد العصر ومنهم من لا يعمل في الأسبوع إلا يوما أو يومين وكانوا يكتفون به السادس أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ولا ينظر إلى الفتاوي بل يستفتي قلبه فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه وإذا حمل إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  لبن فقال من أين لكم هذا فقالوا من الشاة فقال ومن أين لكم هذه الشاة فقيل من موضع كذا فشرب منه ثم قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا صالحا حديث سؤاله عن اللبن والشاة وقوله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا صالحا رواه الطبراني من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس بسند ضعيف وقال إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم حديث إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم  عن أصل الشيء وأصل أصله ولم يزد لأن ما وراء ذلك يتعذر وسنبين في كتاب الحلال والحرام موضع وجوب هذا السؤال فإنه كان صلى الله عليه وسلم  لا يسأل عن كل ما يحمل إليه حديث كان لا يسأل عن كل ما يحمل إليه رواه أحمد من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاةالحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم  لقمة فلم يستطع أن يسيغها فقال هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلهاالحديث وله من حديث أبي هريرة كان إذا أتى بطعام من غير أهله سأل عنهالحديث وإسنادهما جيد وفي هذا أنه كان لا يسأل عما أتي به من عند أهله والله أعلم وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله فكل منسوب إلى ظلم أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة لا يعاملهم ألبتة ولا يعامل أصحابهم وأعوانهم لأنه معين بذلك على الظلم وحكي عن رجل أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور قال فوقع في نفسي من ذلك شيء وإن كان ذلك العمل من الخيرات بل من فرائض الإسلام ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة قال فسألت سفيان رضي الله عنه فقال لا تكن عونا لهم على قليل ولا كثير فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال نعم ولكن أقل ما يدخل عليك أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله وقد جاء في الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه لم أجده مرفوعا وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن وقد ذكره المصنف هكذا على الصواب في آفات اللسان وفي الحديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق حديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي حديث آخر من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام حديث من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام غريب بهذا اللفظ والمعروف من وقر صاحب بدعةالحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي كلها موضوعة ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى أكتب فقال أخبرني أي شيء تكتب فإن كان حقا أعطيتك وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده أن يناوله طينا ليختم به الكتاب فقال ناولني الكتاب أولا حتى أنظر ما فيه فهكذا كانوا يحترزون عن معاونة الظلمة ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما وجدوا إليه سبيلا وبالجملة فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى من يعامل ومن لا يعامل وليكن من يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلانا وفلانا ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحدا إلا فلانا وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضا وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون السابع ينبغي أن يراقب جميع مجاري معاملته مع واحد من معامليه فإنه مراقب ومحاسب فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة إنه لم أقدم عليها ولأجل ماذا فإنه يقال إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجل كان باعه شيئا وقفه ويحاسب عن كل واحد فهو محاسب على عدد من عامله قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك فقال نشر على خمسين ألف صحيفة فقلت هذه كلها ذنوب فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملته إلى آخرها فهذا ما على المكتسب في عمله من العدل والإحسان والشفقة على الدين فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين وإن أضاف إليه الإحسان كان من المقربين وإن راعى مع ذلك وظائف الدين كما ذكر في الباب الخامس كان من الصديقين والله أعلم بالصواب تم كتاب الكسب والمعيشة بحمد الله ومنه.