كتاب أسرار الزكاة

Iḥyāʾ ʿulūm al-dīn

وهو الكتاب الخامس من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسعد وأشقى وأمات وأحيا وأضحك وأبكى وأوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأضر وأقنى الذي خلق الحيوان من نطفة تمنى ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى ثم خصص بعض عباده بالحسنى فأفاض عليهم من نعمة ما أيسر به من شاء واستغنى وأحوج إليه من أخفق في رزقه وأكدى إظهارا للامتحان والابتلا ثم جعل الزكاة للدين أساسا ومبنى وبين أن بفضله تزكى من عباده من تزكى ومن غناه زكى ماله من زكى والصلاة على محمد المصطفى سيد الورى وشمس الهدى وعلى آله وأصحابه المخصوصين بالعلم والتقى أما بعد فإن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة حديث بني الإسلام على خمس أخرجاه من حديث ابن عمر وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة قال الأحنف بن قيس كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال بشر الكانزين بكى في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكى في أقفائهم يخرج من جباههم وفي رواية أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل وقال أبو ذر انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت ومن هم قال الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس حديث أبي ذر انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة الحديث أخرجاه مسلم والبخاري وإذا كان هذا التشديد مخرجا في الصحيحين فقد صار من مهمات الدين الكشف عن أسرار الزكاة وشروطها الجلية والخفية ومعانيها الظاهرة والباطنة مع الاقتصار على ما لا يستغنى عن معرفته مؤدى الزكاة وقابضها وينكشف ذلك في أربعة فصول الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها الثاني آدابها وشروطها الباطنة والظاهرة الثالث في القابض وشروط استحقاقه وآداب قبضه الرابع في صدقة التطوع وفضلها الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها والزكوات باعتبار متعلقاتها ستة أنواع زكاة النعم والنقدين والتجارة وزكاة الركاز والمعادن وزكاة المعشرات وزكاة الفطر النوع الأول زكاة النعم ولا تجب هذه الزكاة وغيرها إلا على حر مسلم ولا يشترط البلوغ بل تجب في مال الصبي والمجنون هذا شرط من عليه وأما المال فشروطه خمسة أن يكون نعما سائمة باقية حولا نصابا كاملا مملوكا على الكمال الشرط الأول كونه نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم أما الخيل والبغال والحمير والمتولد من بين الظباء والغنم فلا زكاة فيها الثاني السوم فلا زكاة في معلوفة وإذا أسيمت في وقت وعلفت في وقت تظهر بذلك مؤنتها فلا زكاة فيها الثالث الحول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول حديث لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد جيد وابن ماجه من حديث عائشة بإسناد ضعيف ويستثنى من هذا نتاج الحول الرابع كمال الملك والتصرف فتجب الزكاة في الماشية المرهونة لأنه الذي حجر على نفسه فيه ولا تجب في الضال والمغصوب إلا إذا عاد بجميع نمائه فيجب زكاة ما مضى عند عوده ولو كان عليه دين يستغرق ماله فلا زكاة عليه فإنه ليس غنيا به إذ الغنى ما يفضل عن الحاجة الخامس كمال النصاب أما الإبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا ففيها جذعة من الضأن والجذعة هي التي تكون في السنة الثانية أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة الثالثة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي في السنة الثانية فإن لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر وهو الذي في السنة الثالثة يؤخذ إن كان قادرا على شرائها وفي ست وثلاثين ابنة لبون ثم إذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي في السنة الرابعة فإذا صارت إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي في السنة الخامسة فإذا صارت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقتان فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبونوأما البقر فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع وهو الذي في السنة الثانية ثم في أربعين مسنة وهي التي في السنة الثالثة ثم في ستين تبيعان واستقر الحساب بعد ذلك ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع وأما الغنم فلا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وعشرين وواحدة ففيها شاتان إلى مائتي شاة وواحدة فيها ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه ثم استقر الحساب في كل مائة شاة وصدقة الخليطين كصدقة المالك الواحد في النصاب فإذا كان بين رجلين أربعون من الغنم ففيها شاة وإن كان بين ثلاثة نفر مائة شاة وعشرون ففيها شاة واحدة على جميعهم وخلطة الجوار كخلطة الشيوع ولكن يشترط أن يريحا معا ويسقيا معا ويحلبا معا ويسرحا معا ويكون المرعى معا ويكون إنزاء الفحل معا وأن يكونا جميعا من أهل الزكاة ولا حكم للخلطة مع الذمي والمكاتب ومهما نزل في واجب الإبل عن سن إلى سن فهو جائز ما لم يجاوز بنت مخاض في النزول ولكن تضم إليه جبران السن لسنة واحدة شاتين أو عشرين درهما ولسنتين أربع شياه أو اربعين درهما وله أن يصعد في السن ما لم يجاوز الجذعة في الصعود ويأخذ الجبران من الساعين من بيت المال ولا تؤخذ في الزكاة مريضة إذا كان بعض المال صحيحا ولو واحدة ويؤخذ من الكرائم كريمة ومن اللئام لئيمة ولا يؤخذ من المال الأكولة ولا الماخض ولا الربا ولا الفحل ولا غراء المال النوع الثاني زكاة المعشرات فيجب العشر في كل مستنبت مقتات بلغ ثمانمائة من ولا شيء فيما دونها ولا في الفواكه والقطن ولكن في الحبوب التي تقتات وفي التمر والزبيب ويعتبر أن تكون ثمانمائة من تمرا أو زبيبا لا رطبا وعنبا ويخرج ذلك بعد التجفيف ويكمل مال أحد الخليطين بمال الآخر في خلطة الشيوع كالبستان المشترك بين ورثة لجميعهم ثمانمائة من من زبيب فيجب على جميعهم ثمانون منا من زبيب بقدر حصصهم ولا يعتبر خلطة الجوار فيه ولا يكمل نصاب الحنطة بالشعير ويكمل نصاب الشعير بالسلت فإنه نوع منه هذا قدر الواجب إن كان يسقى بسيح أو قناة فإن كان يسقى بنضح أو دالية فيجب نصف العشر فإن اجتمعا فالأغلب يعتبر وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس والحب اليابس بعد التنقية ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة وكانت المصلحة في قطعها قبل تمام الإدراك فيؤخذ الرطب فيكال تسعة للمالك وواحد للفقير ولا يمنع من هذه القسمة قولنا إن القسمة بيع بل يرخص في مثل هذا للحاجة ووقت الوجوب أن يبدو الصلاح في الثمار وأن يشتد الحب ووقت الأداء بعد الجفاف النوع الثالث زكاة النقدين فإذا تم الحول على وزن مائتي درهم بوزن مكة نقرة خالصة ففيها خمسة دراهم وهو ربع العشر وما زاد فبحسابه ولو درهما ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصا بوزن مكة ففيها ربع العشر وما زاد فبحسابه وإن نقص من النصاب حبة فلا زكاة وتجب على من معه دراهم مغشوشة إذا كان فيها هذا المقدار من النقرة الخالصة وتجب الزكاة في التبر وفي الحلي المحظور كأواني الذهب والفضة ومراكب الذهب للرجال ولا تجب في الحلي المباح وتجب في الدين الذي هو على مليء ولكن تجب عند الاستيفاء وإن كان مؤجلا فلا تجب إلا عند حلول الأجل النوع الرابع زكاة التجارة وهي كزكاة النقدين وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي به اشترى البضاعة إن كان النقد نصابا فإن كان ناقصا أو اشترى بعرض على نية التجارة فالحول من وقت الشراء وتؤدى الزكاة من نقد البلد وبه يقوم فإن كان ما به الشراء نقدا وكان نصابا كاملا كان التقويم به أولى من نقد البلد ومن نوى التجارة من مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته حتى يشتري به شيئا ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة والأولى أن تؤدى زكاة تلك السنة وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول وجبت الزكاة فيه بحول رأس المال ولم يستأنف له حولا كما في النتاج وأموال الصيارفة لا ينقطع حولها بالمبادلة الجارية بينهم كسائر التجارات وزكاة ربح مال القراض على العامل وإن كان قبل القسمة هذا هو الأقيس النوع الخامس الركاز والمعدن والركاز مال دفن في الجاهلية ووجد في أرض لم يجر عليها في الإسلام ملك فعلى واجده في الذهب والفضة منه الخمس والحول غير معتبر والأولى أن لا يعتبر النصاب أيضا لأن إيجاب الخمس يؤكد شبهه بالغنيمة واعتباره أيضا ليس ببعيد لأن مصرف الزكاة ولذلك يخصص على الصحيح بالنقدين وأما المعادن فلا زكاة فيما استخرج منها سوى الذهب والفضة ففيها بعد الطحن والتخليص ربع العشر على أصح القولين وعلى هذا يعتبر النصاب وفي الحول قولان وفي قول يجب الخمس فعلى هذا لا يعتبر وفي النصاب قولان والأشبه والعلم عند الله تعالى أن يلحق في قدر الواجب بزكاة التجارة فإنه نوع اكتساب وفي الحول بالمعشرات فلا يعتبر لأنه عين الرفق ويعتبر النصاب كالمعشرات والاحتياط أن يخرج الخمس من القليل والكثير ومن عين النقدين أيضا خروجا عن شبهة هذه الاختلافات فإنها ظنون قريبة من التعارض وجزم الفتوى فيها خطر لتعارض الاشتباه النوع السادس في صدقة الفطر وهي واجبة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات حديث وجوب صدقة الفطر على كل مسلم أخرجاه من حديث ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان الحديث بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منوان وثلثا من يخرجه من جنس قوته أو من أفضل منه فإن اقتات بالحنطة لم يجز الشعير وإن اقتات حبوبا مختلفة اختار خيرها ومن أيها أخرج أجزأه وقسمتها كقسمة زكاة الأموال فيجب فيها استيعاب الأصناف ولا يجوز إخراج الدقيق والسويق ويجب على الرجل المسلم فطرة زوجته ومماليكه وأولاده وكل قريب هو في نفقته أعني من تجب عليه نفقته من الآباء والأمهات والأولاد قال صلى الله عليه وسلم أدوا صدقة الفطر عمن تمونون حديث أدوا زكاة الفطر عمن تمونون أخرجه الدار قطني والبيهقي من حديث ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون قال البيهقي إسناده غير قوي وتجب صدقة العبد المشترك على الشريكين ولا تجب صدقة العبد الكافر وإن تبرعت الزوجة بالإخراج عن نفسها أجزأها وللزوج الإخراج عنها دون إذنها وإن فضل عنه ما يؤدي عن بعضهم أدى عن بعضهم وأولاهم بالتقديم من كانت نفقته آكد وقدقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم حديث قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بسند صحيح وابن حبان والحاكم وصححه ورواه النسائي وابن حبان بتقديم الزوجة على الولد وسيأتي فهذه أحكام فقهية لا بد للغني من معرفتها وقد تعرض له وقائع نادرة خارجة عن هذا فله أن يتكل فيها على الاستفتاء عند نزول الواقعة بعد إحاطته بهذا المقدار الفصل الثاني في الأداء وشروطه الباطنة والظاهرة اعلم أنه يجب على مؤدي الزكاة خمسة أمور الأول النية وهو أن ينوي بقلبه زكاة الفرض ويسن عليه تعيين الأموال فإن كان له مال غائب فقال هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو نافلة جاز لأنه إن لم يصرح به فكذلك يكون عند إطلاقه ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي ونية السلطان تقوم مقام نية المالك الممتنع عن الزكاة ولكن في ظاهر حكم الدنيا أعني في قطع المطالبة عنه أما في الآخرة فلا بل تبقى ذمته مشغولة إلى أن يستأنف الزكاة وإذا وكل بأداء الزكاة ونوى عند التوكيل أو وكل الوكيل بالنية كفاه لأن توكيله بالنية نية الثاني البدار عقيب الحول وفي زكاة الفطر لا يؤخرها عن يوم الفطر ويدخل وقت وجوبها بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان ووقت تعجيلها شهر رمضان كله ومن أخر زكاة ماله مع التمكن عصى ولم يسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادقة المستحق وإن أخر لعدم المستحق فتلف ماله سقطت الزكاة عنه وتعجيل الزكاة جائز بشرط أن يقع بعد كمال النصاب وانعقاد الحول ويجوز تعجيل زكاة حولين ومهما عجل فمات المسكين قبل الحول أو ارتد أو صار غنيا بغير ما عجل إليه أو تلف مال المالك أو مات فالمدفوع ليس بزكاة واسترجاعه غير ممكن إلا إذا قيد الدفع بالاسترجاع فليكن المعجل مراقبا آخر الأمور وسلامة العاقبة الثالث أن لا يخرج بدلا باعتبار القيمة بل يخرج المنصوص عليه فلا يجزىء ورق عن ذهب ولا ذهب عن ورق وإن زاد عليه في القيمة ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي رضي الله عنه يتساهل في ذلك ويلاحظ المقصود من سد الخلة وما أبعده عن التحصيل فإن سد الخلة مقصود وليس هو كل المقصود بل واجبات الشرع ثلاثة أقسام قسم هو تعبد محض لا مدخل للحظوظ والأغراض فيه وذلك كرمي الجمرات مثلا إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها فمقصود الشرع فيه الابتلاء بالعمل ليظهر العبد رقه وعبودته بفعل ما لا يعقل له معنى لأن ما يعقل معناه فقد يساعده الطبع عليه ويدعوه إليه فلا يظهر به خلوص الرق والعبودية إذ العبودية تظهر بأن تكون الحركة لحق أمر المعبود فقط لا لمعنى آخر وأكثر أعمال الحج كذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في إحرامه لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا أخرجه البزار والدار قطني في العلل من حديث أنس تنبيها على أن ذلك إظهار للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل منه بما يميل إليه ويحث عليه القسم الثاني من واجبات الشرع ما المقصود منه حظ معقول وليس يقصد منه التعبد كقضاء دين الآدميين ورد المغصوب فلا جرم لا يعتبر فيه فعله ونيته ومهما وصل الحق إلى مستحقه بأخذ المستحق أو ببدل عنه عند رضاه تأدى الوجوب وسقط خطاب الشرع فهذان قسمان لا تركيب فيهما يشترك في دركهما جميع الناس والقسم الثالث هو المركب الذي يقصد منه الأمران جميعا وهو حظ العباد وامتحان المكلف بالاستعباد فيجتمع فيه تعبد رمي الجمار وحظ رد الحقوق فهذا قسم في نفسه معقول فإن ورد الشرع به وجب الجمع بين المعنيين ولا ينبغي أنينسى أدق المعنيين وهو التعبد والاسترقاق بسبب أجلاهما ولعل الأدق هو الأهم والزكاة من هذا القبيل ولم ينتبه له غير الشافعي رضي الله عنه فحظ الفقير مقصود في سد الخلة وهو جلي سابق إلى الأفهام وحق التعبد في اتباع التفاصيل مقصود للشرع وباعتباره صارت الزكاة قرينة للصلاة والحج في كونها من مباني الإسلام ولا شك في أن على المكلف تعبا في تمييز أجناس ماله وإخراج حصة كل مال من نوعه وجنسه وصفته ثم توزيعه على الأصناف الثمانية كما سيأتي والتساهل فيه غير قادح في حظ الفقير لكنه قادح في التعبد ويدل على أن التعبد مقصود بتعيين الأنواع أمور ذكرناها في كتب الخلاف من الفقهيات ومن أوضحها أن الشرع أوجب في خمس من الإبل شاة فعدل من الإبل إلى الشاة ولم يعدل إلى النقدين والتقويم وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب بطل بذكره عشرين درهما في الجبران مع الشاتين فلم يذكر في الجبران قدر النقصان من القيمة ولمقدر بعشرين درهما وشاتين وإن كانت الثياب والأمتعة كلها في معناها فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات كما في الحج ولكن جمع بين المعنيين والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات فهذا شأن الغلط فيه الرابع أن لا ينقل الصدقة إلى بلد آخر فإن أعين المساكين في كل بلدة تمتد إلى أموالها وفي النقل تخييب للظنون فإن فعل ذلك أجزأه في قول ولكن الخروج عن شبهة الخلاف أولى فليخرج زكاة كل مال في تلك البلدة ثم لا بأس أن يصرف إلى الغرباء في تلك البلدة الخامس أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده فإن استيعاب الأصناف واجب وعليه يدل ظاهر قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فإنه يشبه قول المريض إنما ثلث مال للفقراء والمساكين وذلك يقتضي التشريك في التمليك والعبادات ينبغي أن يتوقى عن الهجوم فيها على الظواهر وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون على الزكاة ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف الفقراء والمساكين والغارمون والمسافرون أعني أبناء السبيل وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون البعض وهم الغزاة والمكاتبون فإن وجد خمسة أصناف مثلا قسم بينهم زكاة ماله بخمسة أقسام متساوية أو متقاربة وعين لكل صنف قسم ثم قسم كل قسم ثلاثة أسهم فما فوقه إما متساوية أو متفاوتة وليس عليه التسوية بين آحاد الصنف فإن له أن يقسمه على عشرة وعشرين فينقص نصيب كل واحد وأما الأصناف فلا تقبل الزيادة والنقصان فلاينبغي أن ينقص في كل صنف عن ثلاثة إن وجد ثم لو لم يجب إلا صاع للفطرة ووجد خمسة أصناف فعليه أن يوصله إلى خمسة عشر نفرا ولو نقص منهم واحد مع الإمكان غرم نصيب ذلك الواحد فإن عسر عليه ذلك لقلة الواجب فليتشارك جماعة ممن عليهم الزكاة وليخلط مال نفسه بمالهم وليجمع المستحقين وليسلم إليهم حتى يتساهموا فيه فإن ذلك لا بد منه بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف الوظيفة الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها لم جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان الأول أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم ولذلك قالالله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام قسم صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدخروا دينارا ولا درهما فأبوا أن يتعرضوا لوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم كم يجب من الزكاة في مائتي درهم فقال أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع ولهذا تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله وعمر رضي الله عنه بشطر ماله فقال صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك فقال مثله وقال لأبي بكر رضي الله عنه ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم بينكما ما بين كلمتيكما حديث جاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بشطر ماله الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر وليس فيه قوله بينكما ما بين كلمتيكما فالصديق وفى بتمام الصدق فلم يمسك سوى المحبوب عنده وهو الله ورسوله القسم الثاني درجتهم دون درجة هذا وهم الممسكون أموالهم المراقبون لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر الحاجة دون التنعم وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقا سوى الزكاة كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة قال نعم أما سمعت قوله عز وجل وآتى المال على حبه ذوي القربى الآية واستدلوا بقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون وبقوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على المسلم ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته فضلا عن مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم ولكن يحتمل أن يقال ليس على الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه ويحتمل أن يقال يلزمه بذله في الحال ولا يجوز له الاقتراض أي لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه والاقتراض نزول إلى الدرجة الأخيرة من درجات العوام وهي درجة القسم الثالث الذين يقتصرون على أداء الواجب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون عنه وهي أقل الرتب وقد اقتصر جميع العوام عليه لبخلهم بالمال وميلهم إليه وضعف حبهم للآخرة قال الله تعالى إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا يحفكم أي يستقص عليكم فكم بين عبد اشترى منه ماله ونفسه بأن له الجنة وبين عبد لا يستقصى عليه لبخله فهذا أحد معاني أمر الله سبحانه عبادة ببذل الأموال المعنى الثاني التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات قال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه حديث ثلاث مهلكاتالحديث تقدم وقال تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وسيأتي في ربع المهلكات وجه كونه مهلكا وكيفية التقصي منه وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتيادا فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى المعنى الثالث شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال وما أخس من ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر من مالهالوظيفة الثانية في وقت الأداء ومن آداب ذوي الدين التعجيل عن وقت الوجوب إظهارا للرغبة في الامتثال بإيصال السرور إلى قلوب الفقراء ومبادرة لعوائق الزمان أن تعوقه عن الخيرات وعلما بأن في التأخير آفات مع ما يتعرض العبد له من العصيان لو أخر عن وقت الوجوب ومهما ظهرت داعية الخير من الباطن فينبغي أن يغتنم فإن ذلك لمة الملك وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فما أسرع تقلبه والشيطان يعد الفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر وله لمة عقيب لمة الملك فليغتنم الفرصة فيه وليعين لزكاتها إن كان يؤديها جميعا شهرا معلوما وليجتهد أن يكون من أفضل الأوقات ليكون ذلك سببا لنماء قريته وتضاعف زكاته وذلك كشهر المحرم فإنه أول السنة وهو من الأشهر الحرم أو رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وكان في رمضان كالريح المرسلة لا يمسك فيه شيئا حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وأجود ما يكون في رمضان الحديث أخرجاه من حديث ابن عباس ولرمضان فضيلة ليلة القدر وأنه أنزل فيه القرآن وكان مجاهد يقول لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان وذو الحجة أيضا من الشهور الكثيرة الفضل فإنه شهر حرام وفيه الحج الأكبر وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول والأيام المعدودات وهي أيام التشريق وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول الوظيفة الثالثة الإسرار فإن ذلك أبعد عن الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر حديث أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث أبي ذر ولأبي داود من حديث أبي هريرة أي الصدقة أفضل قال جهد المقل وقال بعض العلماء ثلاث من كنوز البر منها إخفاء الصدقة حديث ثلاث من كنوز البر فذكر منها إخفاء الصدقة أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز وجوامع الكلم من حديث ابن عباس بسند ضعيف وقد روي أيضا مسندا وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا فإن أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فإن تحدث به نقل من السر والعلانية وكتب رياء حديث إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا فإن أظهره نقل من السر الحديث أخرج الخطيب في التاريخ من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف وفي الحديث المشهور سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم رجل تصدق بصدقة فلم تعلم شماله بما أعطت يمينه حديث سبعة يظلهم الله في ظله الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وفي الخبر صدقة السر تطفىء غضب الرب حديث صدقة السر تطفىء غضب الرب أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي سعيد كلاهما ضعيف والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة إن الصدقة لتطفىء غضب الرب ولابن حبان نحوه من حديث أنس وهو ضعيف أيضا وقال تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم وفائدة الإخفاء الخلاص من آفات الرياء والسمعة فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يبغي الرياء والإخفاء والسكوت هو المخلص منه حديث لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان لم أظفر به هكذا وقد بالغ في فضل الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطى فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره بحيث لا يعرف المعطي وكان يستكتم المتوسط شأنه ويوصيه بأن لا يفشيه كل ذلك توصلا إلى إطفاء غضب الرب سبحانه واحترازا من الرياء والسمعة ومهما لم يتمكن إلا بأن يعرفه شخص واحد فتسليمه إلى وكيل ليسلم إلى المسكين والمسكين لا يعرف أولى إذ في معرفة المسكين الرياء والمنة جميعا وليس في معرفة المتوسط إلا الرياء ومهما كانت الشهرة مقصودة لهحبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تنقلب في القبر في حكم المثال عقربا لادغا وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفها أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقويا للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها وضعفت هذه الصفات بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها فأي فائدة في أن يخالف دواعي البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى وستأتي أسرار هذه المعاني في ربع المهلكات الوظيفة الرابعة أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيبا للناس في الاقتداء ويحرس سره من داعية الرياء بالطريق الذي سنذكره في معالجة الرياء في كتاب الرياء فقد قال الله عز وجل إن تبدوا الصدقات فنعما هي وذلك حيث يقتضي الحال الإبداء إما للاقتداء وإما لأن السائل إنما سأل على ملأ من الناس فلا ينبغي أن يترك التصدق خيفة من الرياء في الإظهار بل ينبغي أن يتصدق ويحفظ سره عن الرياء بقدر الإمكان وهذا لأن في الإظهار محذورا ثالثا سوى المن والرياء وهو هتك ستر الفقير فإنه ربما يتأذى بأن يرى في صورة المحتاج فمن أظهر السؤال فهو الذي هتك ستر نفسه فلا يحذر هذا المعنى في إظهاره وهو كإظهار الفسق على من تستر به فإنه محظور والتجسس فيه والاعتياد بذكره منهي عنه فأما من أظهره فإقامة الحد عليه إشاعة ولكن هو السبب فيها وبمثل هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له حديث من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له أخرجه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف وقد قال الله تعالى وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ندب إلى العلانية أيضا لما فيها من فائدة الترغيب فليكن العبد دقيق التأمل في وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص فقد يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل ومن عرف الفوائد والغوائل ولم ينظر بعين الشهوة اتضح له الأولى والأليق بكل حال الوظيفة الخامسة أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى قال الله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها والأذى أن يظهرها وقال سفيان من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن فقال أن يذكره ويتحدث به وقيل المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقيل المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة منان حديث لا يقبل الله صدقة منان هو كالذي قبله بحديث لم أجده وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح فأصله أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وحقه أن يرى الفقير محسنا إليه بقبول حق الله عز وجل منه الذي هو طهرته ونجاته من النار وأنه لو يقبله لبقي مرتهنا به فحقه أن يتقلد منه الفقير إذ جعل كفه نائبا عن الله عز وجل في قبض حق الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل حديث إن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل أخرجه الدار قطني في الأفراد من حديث ابن عباس وقال غريب من حديث عكرمة عنه ورواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف فليتحقق أنه مسلم إلى الله عز وجل حقه والفقير آخذ من الله تعالى رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقهلكان اعتقاد مؤدى الدين كون القابض تحت منته سفها وجهلا فإن المحسن إليه هو المتكفل برزقه أما هو فإنما يقضي الذي لزمه بشراء ما أحبه فهو ساع في حق نفسه فلم يمن به على غيره ومهما عرف المعاني الثلاثة التي ذكرناها في فهم وجوب الزكاة أو أحدها لم ير نفسه محسنا إلا إلى نفسه إما ببذل ماله إظهارا لحب الله تعالى أو تطهيرا لنفسه عن رذيلة البخل أو شكرا على نعمة المال طلبا للمزيد وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسنا إليه ومهما حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسنا إليه تفرع منه على ظاهره ما ذكر في معنى المن وهو التحدث به وإظهاره وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور فهذه كلها ثمرات المنة ومعنى المنة في الباطن ما ذكرناه وأما الأذى فظاهره التوبيخ والتعيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه وهتك الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف وباطنه وهو منبعه أمران أحدهما كراهيته لرفع اليد عن المال وشدة ذلك على نفسه فإن ذلك يضيق الخلق لا محالة والثاني رؤيته أنه خير من الفقير وأن الفقير لسبب حاجته أخس منه وكلاهما منشؤه الجهل أما كراهية تسليم المال فهو حمق لأن من كره بذل درهم في مقابلة ما يساوي ألفا فهو شديد الحمق ومعلوم أنه يبذل المال لطلب رضا الله عز وجل والثواب في الدار الآخرة وذلك أشرف مما بذله أو يبذله لتطهير نفسه عن رذيلة البخل أو شكرا لطلب المزيد وكيفما فرض فالكراهة لا وجه لها وأما الثاني فهو أيضا جهل لأنه لو عرف فضل الفقر على الغنى وعرف خطر الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته فصلحاء الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم هم الأخسرون ورب الكعبة فقال أبو ذر من هم قال هم الأكثرون أموالا الحديث ثم كيف يستحقر الفقير وقد جعله الله تعالى متجرة له إذ يكتسب المال بجهدك ويستكثر منه ويجتهد في حفظه بمقدار الحاجة وقد ألزم أن يسلم إلى الفقير قدر حاجته ويكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلم إليه فالغني مستخدم للسعي في رزق الفقير ويتميز عليه بتقليد المظالم والتزام المشاق وحراسة الفضلات إلى أن يموت فيأكله أعداؤه فإن مهما انتقلت الكراهية وتبدلت بالسرور والفرح بتوفيق الله تعالى له أداء الواجب وتفضيله الفقير حتى يخلصه عن عهدته بقبوله منه انتفى الأذى والتوبيخ وتقطيب الوجه وتبدل بالاستبشار والثناء وقبول المنة فهذا منشأ المن والأذى فإن قلت فرؤيته نفسه في درجة المحسن أمر غامض فهل من علامة يمتحن بها قلبه فيعرف بها أنه لم ير نفسه محسنا فاعلم أن له علامة دقيقة واضحة وهو أن يقدر أن الفقير لو جنى عليه جناية أو مالا عدوا له عليه مثلا هل كان يزيد في استنكاره واستبعاده له على استنكاره قبل التصدق فإن زاد لم تخل صدقته عن شائبة المنة لأنه توقع بسببه ما لم يكن يتوقع قبل ذلك فإن قلت فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه فاعلم أن له دواء باطنا ودواء ظاهرا أما الباطن فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم الوجوب وأن الفقير هو المحسن إليه في تطهيره بالقبول وأما الظاهر فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من الكتاب ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائما بين يديه حتى يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية لو رده وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون يد الفقير هي العليا وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفا إلى فقير قالتا للرسول احفظ ما يدعو به ثم كانتا تردان عليه مثل قوله وتقولان هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقتنا فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا يقابلون الدعاء بمثله وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها حديث ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها تقدم في الصلاة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يتقبل الله صدقة منان وكقوله عز وجل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها وبراءة ذمته عنها دون هذا الشرط فحديث آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب الصلاة الوظيفة السادسة أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها والعجب من المهلكات وهو محبط للأعمال قال تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل وقيل لا يتم المعروف إلا بثلاثة أمور تصغيره وتعجيله وستره وليس الاستعظام هو المن والأذى فإنه لو صرف ماله إلى عمارة مسجد أو رباط أمكن فيه الاستعظام ولا يمكن فيه المن والأذى بل العجب والاستعظام يجري في جميع العبادات ودواؤه علم وعمل امام العلم فهو أن يعلم أن العشر أو ربع العشر قليل من كثير وأنه قد قنع لنفسه بأخس درجات البذل كما ذكرنا في فهم الوجوب فهو جدير بأن يستحيي منه فكيف يستعظمه وإن ارتقى إلى الدرجة العليا فبذل كل ماله أو أكثره فليتأمل أنه من أين له المال وإلى ماذا يصرفه فالمال لله عز وجل وله المنة عليه إذ أعطاه ووفقه لبذله فلم يستعظم في حق الله تعالى ما هو عين حق الله سبحانه وإن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة وأنه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ما ينتظر عليه أضعافه وأما العمل فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخل بإمساك بقية ماله عن الله عز وجل فتكون هيئته الانكسار والحياء كهيئة من يطالب برد وديعة فيمسك بعضها ويرد البعض لأن المال كله لله عز وجل وبذل جميعه هو الأحب عند الله سبحانه وإنما لم يأمر به عبده لأنه يشق عليه بسبب بخله كما قال الله عز وجل فيحفكم تبخلوا الوظيفة السابعة أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإذا كان المخرج من شبهة فربما لا يكون ملكا له مطلقا فلا يقع الموقع وفي حديث أبان عن أنس بن مالك طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية حديث أنس طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية أخرجه ابن عدي والبزار وإذا لم يكن المخرج من جيد المال فهو من سوء الأدب إذ قد يمسك الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فيكون قد آثر على الله عز وجل غيره ولو فعل هذا بضيفه وقدم إليه أردأ طعام في بيته لأوغر بذلك صدره هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره على نفسه وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو أكل فأفنى والذي يأكله قضاء وطر في الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك الادخار وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه أي لا تأخذوه إلا مع كراهية وحياء وهو معنى الإغماض فلا تؤثروا به ربكم وفي الخبر سبق درهم مائة ألف درهم حديث سبق درهم مائة ألف أخرجه النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرةوذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل وقد يخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله فيدل ذلك على أنه ليس يؤثر الله عز وجل بشيء مما يحبه وبذلك ذم الله تعالى قوما جعلوا لله ما يكرهون فقال تعالى ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا وقف بعض القراء على النفي تكذيبا لهم ثم ابتدأ وقال جرم أن لهم النار أي كسب لهم جعلهم لله ما يكرهون النار الوظيفة الثامنة أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة ولا يكتفي بأن يكون من عموم الأصناف الثمانية فإن في عمومهم خصوص صفات فليراع خصوص تلك الصفات وهي ستة الأولى أن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدينا المتجردين لتجارة الآخرة قال صلى الله عليه وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي حديث لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعاعته إلا تقي أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد بلفظ لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي وهذا لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكا في طاعته بإعانتك إياه وقال صلى الله عليه وسلم أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين حديث أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين أخرجه ابن المبارك في البر والصلة من حديث أبي سعيد الخدري قال ابن طاهر غريب فيه مجهول وفي لفظ آخر أضف بطعامك من تحبه في الله تعالى حديث أضف بطعامك من يحبه الله أخرجه ابن المبارك أنبأنا جويبر عن الضحاك مرسلا وكان بعض العلماء يؤثر بالطعام فقراء الصوفية دون غيرهم فقيل له لو عممت بمعروفك جميع الفقراء لكان أفضل فقال لا هؤلاء قوم همهم لله سبحانه فإذا طرقتهما فاقة تشتت هم أحدهم فلأن أرد همة واحد إلى الله عز وجل أحب إلي من أن أعطى ألفا ممن همته الدنيا فذكر هذا الكلام للجنيد فاستحسنه وقال هذا ولي من أولياء الله تعالى وقال ما سمعت منذ زمان كلاما أحسن من هذا ثم حكى أن هذا الرجل اختل حاله وهم بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد مالا وقال اجعله بضاعتك ولا تترك الحانوت فإن التجارة لا تضر مثلك وكان هذا الرجل بقالا لا يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه الصفة الثانية أن يكون من أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة له على العلم والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له لو عممت فقال إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم فتفريغهم للعلم أفضل الصفة الثالثة أن يكون صادقا في تقواه وعلمه بالتوحيد وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه وفي وصية لقمان لابنه لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غيره عليك مغرما ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله تعالى عليه دواعي الفعل ويسر له الأسباب فأعطى وهو مقهور ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله فمهما قوي الباعث أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاض القدرة ولم يستطع العبد مخالفة الباعث القوي الذي لا تردد فيه والله عز وجل خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها ومسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث فمن تيقن هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب وتيقن مثل هذا العبد أنفع للمعطى من ثناء غيره وشكره فذلك حركة لسان يقل في الأكثر جدواه وإعانة مثل هذا العبد الموحد لا تضيع وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع ويدعو بالشر عند الإيذاء وأحواله متفاوتة وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفا إلى بعض الفقراء وقال للرسول احفظ ما يقول فلما أخذ قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره ثم قال اللهم إنك لم تنس فلانا يعني نفسه فاجعل فلانا لا ينساك يعني بفلان نفسه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلكفسر وقال صلى الله عليه وسلم علمت أنه يقول ذلك حديث بعث معروفا إلى بعض الفقراء وقال للرسول احفظ ما يقول فلما أخذه قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحديث لم أجد له أصلا إلا في حديث ضعيف من حديث ابن عمر وروى ابن منده في الصحابة أوله ولم يسق هذه القطعة التي أوردها المصنف وسمى الرجل حديرا فقد رويا من طريق البيهقي أنه وصل لحدير من أبي الدرداء شيء فقال اللهم إنك لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك وقيل إن هذا آخر لا صحبة له يكنى أبا جريرة وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده وقال صلى الله عليه وسلم لرجل تب فقال أتوب إلى الله وحده ولا أتوب إلى محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله حديث قال لرجل تب فقال أتوب إلى الله ولا اتوب إلى محمد الحديث أخرجه أحمد والطبراني من حديث الأسود ابن سريع بسند ضعيف ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قال أبو بكر رضي الله عنه قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم دعها يا أبا بكر حديث لما نزلت براءة عائشة قال أبو بكر قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو داود من حديث عائشة بلفظ فقال أبواي قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أحمد الله لا إياكما وللبخاري تعليقا فقال أبواي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمدكما ولكن أحمد الله وله ولمسلم فقالت لي أمي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وللطبراني فقالت بحمد الله لا بحمد صاحبك وله من حديث ابن عباس فقالت لا بحمدك ولا بحمد صاحبك وله من حديث ابن عمر فقال أبو بكر قومي فاحتضني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا والله لا أدنو منه الحديث وفيه أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله لا بحمدك وفي لفظ آخر أنها رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ذلك مع أن الوحي وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤية الأشياء من غير الله سبحانه وصف الكافرين قال الله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث إنهم وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره فليتق الله سبحانه في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه الصفة الرابعة أن يكون مستترا مخفيا حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل قال الله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل محلة ويستكشف عن بواطن أحول أهل الخير والتجمل فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال الصفة الخامسة أن يكون معيلا أو محبوسا بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله عز وجل للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله أي حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب لا يستطيعون ضربا في الأرض لأنهم مقصوصوا الجناح مقيدوا الأطراف فبهذه الأسباب كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على مقدار العيلة حديث كان يعطي العطاء على مقدار العيلة لم أر له أصلا ولأبي داود من حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه وأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا وسأل عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال كثرة العيال وقلة المال الصفة السادسة أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم وفي صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى قال علي رضي الله عنه لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهما ولأن أصله بعشرين درهما أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة والأصدقاء وإخوان الخير أيضايقدمون على المعارف كما يتقدم الأقارب على الأجانب فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصفات المطلوبة وفي كل صفة درجات فينبغي أن يطلب أعلاها فإن وجد من جمع جملة من هذه الصفات فهي الذخيرة الكبرى والغنيمة العظمى ومهما اجتهد في ذلك وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد فإن أحد أجريه في الحال تطهيره نفسه عن صفة البخل وتأكيد حب الله عز وجل في قلبه واجتهاده في طاعته وهذه الصفات هي التي تقوى في قلبه فتشوقه إلى لقاء الله عز وجل والأجر الثاني ما يعود إليه من فائدة دعوة الآخذ وهمته فإن قلوب الأبرار لها آثار في الحال والمآل فإن أصاب حصل الأجران وإن أخطأ حصل الأول دون الثاني فبهذا يضاعف أجر المصيب في الاجتهاد ههنا وفي سائر المواضع والله أعلم الفصل الثالث في القابض وأسباب استحقاقه ووظائف قبضه بيان أسباب الاستحقاق اعلم أنه لا يستحق الزكاة إلا حر مسلم ليس بهاشمي ولا مطلبي اتصف بصفة من صفات الأصناف الثمانية المذكورين في كتاب الله عز وجل ولا تصرف زكاة إلى كافر ولا إلى عبد ولا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي أما الصبي والمجنون فيجوز الصرف إليهما إذا قبض وليهما فلنذكر صفات الأصناف الثمانية الصنف الأول الفقراء والفقير هو الذي ليس له مال ولا قدرة له على الكسب فإن كان معه قوت يومه وكسوة حاله فليس بفقير ولكنه مسكين وإن كان معه نصف قوت يومه فهو فقير وإن كان معه قميص وليس معه منديل ولا خف ولا سراويل ولم تكن قيمة القميص بحيث تفي بجميع ذلك كما يليق بالفقراء فهو فقير لأنه في الحال قد عدم ما هو محتاج إليه وما هو عاجز عنه فلا ينبغي أن يشترط في الفقير أن لا يكون له كسوة سوى ساتر العورة فإن هذا غلو والغالب أنه لا يوجد مثله ولا يخرجه عن الفقر كونه معتادا للسؤال فلا يجعل السؤال كسبا بخلاف ما لو قدر على كسب فإن ذلك يخرجه عن الفقر فإن قدر على الكسب بآلة فهو فقير ويجوز أن يشتري له آلة وإن قدر على كسب لا يليق بمروءة وبحال مثله فهو فقير وإن كان متفقها ويمنعه الاشتغال بالكسب عن التفقه فهو فقير ولا تعتبر قدرته وإن كان متعبدا يمنعه الكسب من وظائف العبادات وأوراد الأوقات فليكتسب لأن الكسب أولى من ذلك قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وأراد به السعي في الاكتساب وقال عمر رضي الله عنه كسب في شبهة خير من مسألة وإن كان مكتفيا بنفقة أبيه أو من تجب عليه نفقته فهذا أهون من الكسب فليس بفقير الصنف الثاني المساكين والمسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه فقد يملك ألف درهم وهو مسكين وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني والدويرة التي يسكنها والثوب الذي يستره على قدر حاله لا يسلبه اسم المسكين وكذا أثاث البيت أعني ما يحتاج إليه وذلك ما يليق به وكذا كتب الفقه لا تخرجه عن المسكنة وإذا لم يملك إلا الكتب فلا تلزمه صدقة الفطر وحكم الكتاب حكم الثوب وأثاث البيت فإنه محتاج إليه ولكن ينبغي أن يحتاط في قطع الحاجة بالكتاب فالكتاب محتاج إليه لثلاثة أغراض التعليم والاستفادة والتفرج بالمطالعة أما حاجة التفرج فلا تعتبر كاقتناء كتب الأشعار وتواريخ الأخبار وأمثال ذلك مما لا ينفع في الآخرة ولا يجري في الدنيا إلا مجرى التفرج والاستئناس فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر وتمنع اسم المسكنة وأما حاجة التعليم إن كان لأجل الكسب كالمؤدب والمعلم والمدرس بأجره فهذه آلته فلا تباع في الفطرة كأدوات الخياط وسائر المحترفين وإن كان يدرس للقيام بفرضالكفاية فلا تباع ولا يسلبه ذلك اسم المسكين لأنها حاجة مهمة وأما حاجة الاستفادة والتعلم من الكتاب كادخاره كتب طب ليعالج بها نفسه أو كتاب وعظ ليطالع فيه ويتعظ به فإن كان في البلد طبيب وواعظ فهذا مستغنى عنه وإن لم يكن فهو محتاج إليه ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعة الكتاب إلا بعد مدة فينبغي أن يضبط مدة الحاجة والأقرب أن يقال ما لا يحتاج إليه في السنة فهو مستغنى عنه فإن من فضل من قوت يومه شيء لزمته الفطرة فإذا قدرنا القوت باليوم فحاجة أثاث البيت وثياب البدن ينبغي أن تقدر بالسنة فلا تباع ثياب الصيف في الشتاء والكتب بالثياب والأثاث أشبه وقد يكون له من كتاب نسختان فلا حاجة إلى إحداهما فإن قال إحداهما أصح والأخرى أحسن فأنا محتاج إليهما قلنا اكتف بالأصح وبع الأحسن ودع التفرج والترفه وإن كان نسختان من علم واحد إحداهما بسيطة والأخرى وجيزة فإن كان مقصوده الاستفادة فليكتف بالبسيطة وإن كان قصده التدريس فيحتاج إليهما إذ في كل واحدة فائدة ليست في الأخرى وأمثال هذه الصور لا تنحصر ولم يتعرض له في فن الفقه وإنما أوردناه لعموم البلوى والتنبيه بحسن هذا النظر على غيره فإن استقصاء هذه الصور غير ممكن إذ يتعدى مثل هذا النظر في أثاث البيت في مقدارها وعددها ونوعها وفي ثياب البدن وفي الدار وسعتها وضيقها وليس لهذه الأمور حدود محدودة ولكن الفقيه يجتهد فيها برأيه ويقرب في التحديدات بما يراه ويقتحم فيه خطر الشبهات والمتورع يأخذ فيه بالأحوط ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه والدرجات المتوسطة المشكلة بين الأطراف المتقابلة الجلية كثيرة ولا ينجي منها إلا الاحتياط والله أعلم الصنف الثالث العاملون وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات سوى الخليفة والقاضي ويدخل فيه العريف والكاتب والمستوفي والحافظ والنقال ولا يزاد واحد منهم على أجرة المثل فإن فضل شيء من الثمن عن أجر مثلهم رد على بقية الأصناف وإن نقص كمل من مال المصالح الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم على الإسلام وهم الأشراف الذين أسلموا وهم مطاعون في قومهم وفي إعطائهم تقريرهم على الإسلام وترغيب نظائرهم وأتباعهم الصنف الخامس المكاتبون فيدفع إلى السيد سهم المكاتب وإن دفع إلى المكاتب جاز ولا يدفع السيد زكاته الىمكاتب نفسه لأنه يعد عبدا له الصنف السادس الغارمون والغارم هو الذي استقرض في طاعة أو مباح وهو فقير فإن استقرض في معصية فلا يعطى إلا إذا تاب وإن كان غنيا لم يقض دينه إلا إذا كان قد استقرض لمصلحة أو إطفاء فتنة الصنف السابع الغزاة الذين ليس لهم مرسوم في ديوان المرتزقة فيصرف إليهم سهم وإن كانوا أغنياء إعانة لهم على الغزو الصنف الثامن ابن السبيل وهو الذي شخص من بلده ليسافر في غير معصية أو اجتاز بها فيعطى إن كان فقيرا وإن كان له مال ببلد آخر أعطى بقدر بلغته فإن قلت فبم تعرف هذه الصفات قلنا أما الفقر والمسكنة فبقول الآخذ ولا يطالب ببينة ولا يحلف بل يجوز اعتماد قوله إذا لم يعلم كذبه وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى بقوله إني غاز فإن لم يف به استرد وأما بقية الأصناف فلا بد فيها من البينة فهذه شروط الاستحقاق وأما مقدار ما يصرف إلى كل واحد فسيأتي بيان وظائف القابض وهي خمسة الأولى أن يعلم أن الله عز وجل أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ويجعل همومه هما واحدا فقد تعبد الله عز وجل الخلق بأن يكون همهم واحدا وهو الله سبحانه واليوم الآخر وهو المعني بقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولكن لما اقتضت الحكمة أن يسلط على العبد الشهوات والحاجات وهي تفرق همهاقتضى الكرم إفاضة نعمة تكفي الحاجات فأكثر الأموال وصبها في أيدي عباده لتكون آلة لهم في دفع حاجاتهم ووسيلة لتفرغهم لطاعاتهم فمنهم من أكثر ماله فتنة وبلية فأقحمه في الخطر ومنهم من أحبه فحماه عن الدنيا كما يحمى المشفق مريضه فزوى عنه فضولها وساق إليه قدر حاجته على يد الأغنياء ليكون سهل الكسب والتعب في الجمع والحفظ عليهم وفائدته تنصب إلى الفقراء فيتجردون لعبادة الله والاستعداد لما بعد الموت فلا تصرفهم عنها فضول الدنيا ولا تشغلهم عن التأهب الفاقة وهذا منتهى النعمة فحق الفقير أن يعرف قدر نعمة الفقر ويتحقق أن فضل الله عليه فيما زواه عنه أكثر من فضله فيما أعطاه كما سيأتي في كتاب الفقر تحقيقه وبيانه إن شاء الله تعالى فليأخذ ما يأخذه من الله سبحانه رزقا له وعونا له على الطاعة ولتكن نيته فيه أن يتقوى به على طاعة الله فإن لم يقدر عليه فليصرفه إلى ما أباحه الله عز وجل فإن استعان به على معصية الله كان كافرا لأنعم الله عز وجل مستحقا للبعد والمقت من الله سبحانه الثانية أن يشكر المعطى ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه وللطريق حق من حيث جعله الله طريقا وواسطة وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله حديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد وله ولأبي داود وابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح وقد أثنى الله عز وجل على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها وفاطر القدرة عليها نحو قوله تعالى نعم العبد إنه أواب إلى غير ذلك وليقل القابض في دعائه طهر الله قلبك في قلوب الأبرار وزكى عملك في عمل الأخيار وصلى على روحك في أرواح الشهداء وقد قال صلى الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه حديث من أسدى إليكم معروفا فكافئوه الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح بلفظ من صنع ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه ولا يعيره بالمنع إذا منع ويفخم عند نفسه وعند الناس صنيعه فوظيفة المعطى الاستصغار ووظيفة القابض تقلد المنة والاستعظام وعلى كل عبد القيام بحقه وذلك لا تناقض فيه إذ موجبات التصغير والتعظيم تتعارض والنافع للمعطي ملاحظة أسباب التصغير ويضره خلافه والآخذ بالعكس منه وكل ذلك لا يناقض رؤية النعمة من الله عز وجل فإن من لا يرى الواسطة واسطة فقد جهل وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلا الثالثة أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ولن يعدم المتورع عن الحرام فتوحا من الحلال فلا يأخذ من أموال الأتراك والجنود وعمال السلاطين ومن أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه وكان ما يسلم إليه لا يعرف له مالكا معينا فله أن يأخذ بقدر الحاجة فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق به على ما سيأتي بيانه في كتاب الحلال والحرام وذلك إذا عجز عن الحلال فإذا أخذ لم يكن أخذه أخذ زكاة إذ لا يقع زكاة عن مؤديه وهو حرام الرابعة أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا المقدار المباح ولا يأخذ إلا إذا تحقق أنه موصوف بصفة الاستحققا فإن كان يأخذه بالكتابة والغرامة فلا يزيد على مقدار الدين وأن كان يأخذ بالعمل فلا يزيد على أجرة المثل وإن أعطى زيادة أبى وامتنع إذ ليس المال للمعطي حتى يتبرع به وإن كان مسافرا لم يزد على الزاد وكراء الدابة إلى مقصده وإن كان غازيا لم يأخذ إلا ما يحتاج إليه للغزو خاصة من خيل وسلاح ونفقة وتقدير ذلك بالاجتهاد وليس له حد وكذا زاد السفر والورع ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه وإن أخذ بالمسكنة فلينظر أولاالى أثاث بيته وثيابهوكتبه هل فيها ما يستغنى عنه بعينه أو يستغنى عن نفاسته فيمكن أن يبدل بما يكفي ويفضل بعض قيمته وكل ذلك إلى اجتهاده وفيه طرف ظاهر يتحقق معه أنه مستحق وطرف آخر مقابل يتحقق معه أنه غير مستحق وبينهما أوساط مشتبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والاعتماد في هذا على قول الآخذ ظاهرا وللمحتاج في تقدير الحاجات مقامات في التضييق والتوسيع ولا تحصر مراتبه وميل الورع إلى التضييق وميل المتساهل إلى التوسيع حتى يرى نفسه محتاجا إلى فنون من التوسع وهو ممقوت في الشرع ثم إذا تحققت حاجته فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث أن السنة إذا تكررت تكررت أسباب الدخل ومن حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لعياله قوت سنة حديث ادخر لعياله قوت سنة أخرجاه من حديث عمر كان يعزل نفقة أهله سنة وللطبراني في الأوسط من حديث أنس كان إذا ادخر لأهله قوت سنة تصدق بما بقي قال الذهبي حديث منكر فهذا أقرب ما يحد به حد الفقير والمسكين ولو اقتصر على حاجة شهره أو حاجة يومه فهو أقرب للتقوى ومذاهب العلماء في قدر المأخوذ بحكم الزكاة والصدقة مختلفة فمن مبالغ في التقليل إلى حد أوجب الاقتصار على قدر قوت يومه وليلته وتمسكوا بما روى سهل بن الحنظلية أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السؤال مع الغنى فسئل عن غناه فقال صلى الله عليه وسلم غداؤه وعشاؤه حديث سهل بن الحنظلية في النهي عن السؤال مع الغنى فيسأل ما يغنيه فقال غداؤه وعشاؤه أخرجه أبو داود وابن حبان بلفظ من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم الحديث وقال آخرون يأخذ إلى حد الغنى حد الغنى نصاب الزكاة إذ لم يوجب الله تعالى الزكاة إلا على الأغنياء فقالوا له أن يأخذ بنفسه ولكل واحد من عياله نصاب زكاة وقال آخرون حد الغنى خمسون درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله مال يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش فسئل وما غناه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب حديث ابن مسعود من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش الحديث أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وضعفه النسائي والخطابي وقيل راويه ليس بقوي وقال قوم أربعون لما رواه عطاء بن يسار منقطعا أنه صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال حديث عطاء بن يسار منقطعا من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال أخرجه أبو داود والنسائي من رواية عطاء عن رجل من بني أسد متصلا وليس بمنقطع كما ذكر المصنف لأن الرجل صحابي فلا يضر عدم تسميته وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث أبي سعيد وبالغ آخرون في التوسيع فقالوا له أن يأخذ مقدار ما يشتري به ضيعة فيستغني به طول عمره أو يهيىء بضاعة ليتجر بها ويستغني بها طول عمره لأن هذا هو الغنى وقد قال عمر رضي الله عنه إذا أعطيتم فأغنوا حتى ذهب قوم إلى أن من افتقر فله أن يأخذ بقدر ما يعود به إلى مثل حاله ولو عشرة آلاف درهم إلا إذا خرج عن حد الاعتدال ولما شغل أبو طلحة ببستانه عن الصلاة قال جعلته صدقه فقال صلى الله عليه وسلم اجعله في قرابتك فهو خير لك حديث لما شغل أبا طلحة بستانه عن الصلاة قال جعلته صدقة تقدم في الصلاة فأعطاه حسان وأبا قتادة فحائط من نخل لرجلين كثير مغن وأعطى عمر رضي الله عنه أعرابيا ناقة معها ظئر لها فهذا ما حكى فيه فأما التقليل إلى قوت اليوم أو الأوقية فذلك ورد في كراهية السؤال والتردد على الأبواب وذلك مستنكر وله حكم آخر بل التجويز إلى أن يشتري ضيعة فيستغني بها أقرب إلى الاحتمال وهو أيضا مائل إلى الإسراف والأقرب إلى الاعتدال كفاية سنة فما وراءه فيه خطر وفيما دونه تضييق وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف فليس للمجتهد إلا الحكم بما يقع له ثم يقال للورع استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك حديث استفت قلبك وإن أفتوك تقدم في العلم كما قاله صلى الله عليه وسلم إذ الإثم حزاز القلوب فإذا وجد القابض في نفسه شيئا مما يأخذه فليتق الله فيه ولا يترخص تعللا بالفتوى منعلماء الظاهر فإن لفتواهم قيودا ومطلقات من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي من الشبهات من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة الخامسة أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق الثمن فلا يأخذه منه فإنه لا يستحق مع شريكه إلا الثمن فلينقص من الثمن مقدار ما يصرف إلى اثنين من صنفه وهذا السؤال واجب على أكثر الخلق فإنهم لا يراعون هذه القسمة إما لجهل وإما لتساهل وإنما يجوز ترك السؤل عن مثل هذه الأمور إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم وسيأتي ذكر مظان السؤال ودرجة الاحتمال في كتاب الحلال والحرام إن شاء الله تعالى الفصل الرابع في صدقة التطوع وفضلها وآداب أخذها وإعطائها بيان فضيلة الصدقة من الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار حديث تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث عكرمة مرسلا ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشيعان ولأبي يعلى والبزار من حديث أبي بكر اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقوم العوج وتدفع ميتة السوء وتقع من الجائع موقعها من الشبعان وإسناده ضعيف وللترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه في حديث معاذ والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة أخرجاه من حديث عدي بن حاتم وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا إلا كان الله آخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد حديث ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا الحديث أخرجه البخاري تعليقا ومسلم والترمذي والنسائي في الكبرى واللفظ لابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف حديث قال لأبي الدرداء إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها الحديث أخرجه من حديث أبي ذر أنه قال ذلك له وما ذكره المصنف أنه قال لأبي الدرداء وهم وقال صلى الله عليه وسلم ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله عز وجل الخلافة على تركته حديث ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على تركته أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث ابن شهاب مرسلا بإسناد صحيح وأسنده الخطيب فيمن روى عن مالك من حديث ابن عمر وضعفه وقال صلى الله عليه وسلم كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس حديث كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم من حديث عقبة بن عامر وقال صلى الله عليه وسلم الصدقة تسد سبعين بابا من الشر حديث الصدقة تسد سبعين بابا من الشر أخرجه ابن المبارك في البر من حديث أنس بسند ضعيف إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء وقال صلى الله عليه وسلم صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أعطى من سعة بأفضل أجرا من الذي يقبل من حاجة حديث ما المعطي من سعة بأفضل أجرا من الذي يقبل من حاجة أخرجه ابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط من حديث أنس ورواه في الكبير من حديث ابن عمر بسند ضعيف ولعل المراد به الذي يقصد من دفع حاجته التفرغ للدين فيكون مساويا للمعطي الذي يقصد بإعطائه عمارة دينه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفاقة ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان حديث سئل أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وقد قال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا فقال أنفقه على نفسك فقال إن عندي آخر قال أنفقهعلى زوجتك قال إن عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال إن عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال إن عندي آخر قال صلى الله عليه وسلم أنت أبصربه حديث قال يوما لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا فقال أنفقه على نفسك الحديث أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة وقد تقدم قبل بيسير وقال صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس حديث لا تحل الصدقة لآل محمد الحديث أخرجه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة وقال ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام حديث ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام أخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم لو صدق السائل ما أفلح من رده حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده أخرجه العقيلي في الضعفاء وابن عبد البر في التمهيد من حديث عائشة قال العقيلي لا يصح في هذا الباب شيء وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة بسند ضعيف وقال عيسى عليه السلام من رد سائلا خائبا من بيته لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وكان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره كان يضع طهوره بالليل ويخمره وكان يناول المسكين بيده حديث كان لا يكل خصلتين إلى غيره الحديث أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن المبارك في البر مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا حديث ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان الحديث متفق عليه من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في حفظ الله عز وجل ما دامت عليه منه رقعه حديث ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في حفظ الله الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن عباس وفيه خالد بن طهمان ضعيف الآثار قال عروة بن الزبير لقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بخمسين ألفا وإن درعها لمرقع وقال مجاهد في قول الله عز وجل ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فقال وهم يشتهونه وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم اجعل الفضل عند خيارنا لعلهم يعودون به على ذوي الحاجة منا وقال عمر عبد العزيز الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه وقال ابن أبي الجعد إن الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء وفضل سرها على علانيتها بسبعين ضعفا وإنها لتفك لحيي سبعين شيطانا وقال ابن مسعود إن رجلا عبد الله سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه عمل السبعين سنة وقال لقمان لابنه إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة وقال يحيى بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة وقال عبد العزيز بن أبي رواد كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة كتمان المرض وكتمان الصدقة وكتمان المصائب وروى مسندا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول سمعت الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون والله يعلم أني أحب السكر وقال النخعي إذا كان الشيء لله عز وجل لا يسرني أن يكون فيه عيب وقال عبيد بن عمير يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعطش ما كانووا قط وأعرى ما كانوا قط فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ومن كسا لله عز وجل كساه الله وقال الحسن لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ولكنه ابتلى بعضكم ببعض وقال الشعبي من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه وقال مالك لا نرى بأسا بشرب المؤمن من الماء الذي يتصدق به ويسقي في المسجد لأنه إنما جعل للعطشان من كان ولم يرد به أهل الحاجة والمسكنة على الخصوص ويقال إن الحسن مر به نخاسومعه جارية فقال للنخاس أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين قال لا قال فاذهب فإن الله عز وجل رضي في الحور العين بالفلس واللقمة بيان إخفاء الصدقة وإظهارها قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ومال قوم إلى أن الإظهار أفضل ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه أما الإخفاء ففيه خمسة معان الأول أنه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهرا هتك لستر المروءة وكشف عن الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف الثاني أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى وقال أبو أيوب السختياني إني لأترك لبس الثوب الجديد خشية أن يحدث في جيران حسدا وقال بعض الزهاد ربما تركت استعمال الشيء لأجل إخواني يقولون من أين له هذا وعن إبراهيم التيمي أنه رؤي عليه قميص جديد فقال بعض إخوانه من أين لك هذا فقال كسانيه أخي خيثمة ولو علمت أن أهله علموا به ما قبلته الثالث إعانة المعطي على إسرار العمل فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف والكتمان لا يتم إلا باثنين فمهما أظهر هذا انكشف أمر المعطي ودفع رجل إلى بعض العلماء شيئا ظاهرا فرده إليه ودفع إليه آخر شيئا في السر فقبله فقيل له في ذلك فقال إن هذا عمل الأدب في إخفاء معروفه فقبلته وذاك أساء أدبه في عمله فرددته عليه وأعطى رجل لبعض الصوفية شيئا في الملأ فرده فقال له لم ترد على الله عز وجل ما أعطاك فقال إنك أشركت غير الله سبحانه فيما كان لله تعالى ولم تقنع بالله عز وجل فرددت عليك شركك وقبل بعض العارفين في السر شيئا كان رده في العلانية فقيل له في ذلك فقال عصيت الله بالجهر فلم أك عونا لك على المعصية وأطعته بالإخفاء فأعنتك على برك وقال الثوري لو علمت أن أحدكم لا يذكر صدقته ولا يتحدث بها لقبلت صدقته الرابع أن في إظهار الأخذ ذلا وامتهانا وليس للمؤمن أن يذل نفسه كان بعض العلماء يأخذ في السر ولا يأخذ في العلانية ويقول إن في إظهاره إذلالا للعلم وامتهانا لأهله فما كنت بالذي أرفع شيئا من الدنيا بوضع العلم وإذلال أهله الخامس الاحتراز عن شبهة الشركة قال صلى الله عليه وسلم من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها حديث من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها أخرجه العقيلي وابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث ابن عباس قال العقيلي لا يصح في هذا المتن حديث وبأن يكون ورقا أو ذهبا لا يخرج عن كونه هدية قال صلى الله عليه وسلم أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقا أو يطعمه خبزا حديث أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقا أو يعطيه خبزا أخرجه ابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر أفضل العمل عند الله أن يقضي عن مسلم دينه أو يدخل عليه سرورا أو يطعمه خبزا ولأحمد والترمذي وصححه من حديث البراء من منح منحة ورق أو منحة لبن أو أهدى رقاقا فهو كعتاق نسمة فجعل الورق هدية بانفراده فما يعطى في الملأ مكروه إلا برضا جميعهم ولا يخلو عن شبهة فإذا انفرد سلم من هذه الشبهة أما الإظهار والتحدث به ففيه معان أربعة الأول الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة والثاني إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق قال بعض العارفين لتلميذه أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذ فإنك لا تخلو عن أحد رجلينرجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك فذلك هو المراد لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك الذي يريده أخوك لأنه يزداد ثوابا بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت إذ كنت سبب مزيد ثوابه الثالث هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد قال بعضهم كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال بل ينبغي أن يكون النظر مقصور على الواحد الفرد حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد فانفرد كل واحد وذبح إلا ذلك المريد فإنه رد الدجاجة فسألهم فقالوا فعلنا ما أمرنا به الشيخ فقال الشيخ للمريد ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك فقال ذلك المريد لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد فإن الله يراني في كل موضع فقال الشيخ لهذا أميل إليه لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل الرابع أن الإظهار إقامة لسنة الشكر وقد قال تعالى وأما بنعمة ربك فحدث والكتمان كفران النعمة وقد ذم الله عز وجل من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل فقال تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وقال صلى الله عليه وسلم إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته عليه حديث إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن ترى عليه أخرجه أحمد من حديث عمران بن حصين بسند صحيح وحسنه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأعطى رجل بعض الصالحين شيئا في السر فرفع به يده وقال هذا من الدنيا والعلانية فيها أفضل والسر في أمور الآخرة أفضل ولذلك قال بعضهم إذا أعطيت في الملأ فخذ ثم اردد في السر والشكر فيه محثوث عليه قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل حديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله تقدم والشكر قائم مقام المكافأة حتى قال صلى الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فأثنوا عليه به خيرا وادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه ولما قال المهاجرين في الشكر يا رسول الله ما رأينا خيرا من قوم نزلنا عندهم قاسمونا الأموال حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال صلى الله عليه وسلم كل ما شكرتم لهم وأثنيتم عليهم به فهو مكافإة حديث قالت المهاجرون يا رسول الله ما رأينا خيرا من قوم نزلنا عليهم الحديث أخرجه الترمذي وصححه من حديث أنس ورواه مختصرا أبو داود والنسائي في اليوم والليلة والحاكم وصححه ابن ماجه فالآن إذا عرفت هذه المعاني فاعلم أن ما نقل من اختلاف الناس فيه ليس اختلافا في المسئلة بل هو اختلاف حال فكشف الغطاء في هذا أنا لا نحكم حكما بتا بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف النيات وتختلف النيات باختلاف الأحول والأشخاص فينبغي أن يكون المخلص مراقبا لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان والمكر والخداع أغلب في معاني الإخفاء منه في الإظهار مع أن له دخلا في كل واحد منهما فأما مدخل الخداع في الإسرار فمن ميل الطبع إليه لما فيه من في خفض الجاه والمنزلة وسقوط القدر عن أعين الناس ونظر الخلق إليه بعين الازدراء وإلى المعطي بعين المنعم المحسن فهذا هو الداء الدفين ويستكن في النفس وللشيطان بواسطته يظهر معاني الخير حتى يتعلل بالمعاني الخمسة التي ذكرناها ومعيار كل ذلك ومحكه أمر واحد وهو أن يكون تألمه بانكشاف أخذه الصدقة كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض نظرائه وأمثاله فإنه إن كان يبغي صيانة الناس عن الغيبة والحسد وسوء الظن أو يتقيانتهاك الستر أو إعانة المعطي على الإسرار أو صيانة العلم عن الابتذال فكل ذلك مما يحصل بانكشاف صدقة أخيه فإن كان انكشاف أمره أثقل عليه من انكشاف أمر غيره فتقديره الحذر من هذه المعاني أغاليظ وأباطيل من مكر الشيطان وخدعه فإن إذلال العلم محذور من حيث إنه علم لا من حيث إنه علم زيد أو علم عمرو والغيبة محذورة من حيث إنها تعرض لعرض مصون لا من حيث إنها تعرض لعرض زيد على الخصوص ومن أحسن من ملاحظة مثل هذا ربما يعجز الشيطان عنه وإلا فلا يزال كثير العمل قليل الحظ وأما جانب الإظهار فميل الطبع إليه من حيث إنه تطييب لقلب المعطي واستحثاث له على مثله وإظهاره عند غيره أنه من المبالغين في الشكر حتى يرغبوا في إكرامه وتفقده وهذا داء دفين في الباطن والشيطان لا يقدر على المتدين إلا بأن يروج عليه هذا الخبث في معرض السنة ويقول له الشكر من السنة والإخفاء من الرياء ويورد عليه المعاني التي ذكرناها ليحمله على الإظهار وقصده الباطن ما ذكرناه ومعيار ذلك ومحكه أن ينظر إلى ميل نفسه إلى الشكر حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطي ولا إلى من يرغب في عطائه وبين يدي جماعة يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها وعادتهم أنهم لا يعطون إلا من يخفى ولا يشكر فإن استوت هذه الأحوال عنده فليعلم أن باعثه هو إقامة السنة في الشكر والتحدث بالنعمة وإلا فهو مغرور ثم إذا علم أن باعثه السنة في الشكر فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي فينظر فإن كان هو ممن يحب الشكر والنشر فينبغي أن يخفى ولا يشكر لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم وإذا علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولايقصده فعند ذلك يشكره ويظهر صدقته ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح حديث قال للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح متفق عليه من حديث أبي بكرة بلفظ ويحك قطعت عنق صاحبك زاد الطبراني في رواية والله لو سمعها ما أفلح أبدا وفي سنده علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه وابن ماجه نحوه من حديث أبي موسى مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يثني على قوم في وجوههم لثقته بيقينهم وعلمه بأن ذلك لا يضرهم بل يزيد في رغبتهم في الخير فقال لواحد إنه سيد أهل الوبر حديث إنه سيد الوبر أخرجه العنبري والطبراني وابن قانع في معاجمهم وابن حبان في الثقات من حديث قيس بن عاصم المقري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك وقال صلى الله عليه وسلم في آخر إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه حديث إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ورواه أبو داود في المراسيل من حديث الشعبي مرسلا بسند صحيح وقال روى متصلا وهو ضعيف والحاكم نحوه من حديث معبد بن خالد الأنصاري عن أبيه وصحح إسناده وسمع كلام رجل فأعجبه فقال صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا حديث إن من البيان لسحرا أخرجه البخاري من حديث ابن عمر وقال صلى الله عليه وسلم إذا علم أحدكم من أخيه خيرا فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير حديث إذا علم أحدكم من أخيه خيرا فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير أخرجه الدار قطني في العلل من رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وقال لايصح عن الزهري وروي عن ابن المسيب مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه حديث إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه أخرجه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بسند ضعيف وقال الثوري من عرف نفسه لم يضره مدح الناس وقال أيضا ليوسف بن أسباط إذا أوليتك معروفا كنت أنا أسر به منك ورأيت ذلك نعمة من الله عز وجل علي فاشكر وإلا فلا تشكر ورقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعى قلبه فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماته له لكثرة التعب وقلة النفع ومثل هذا العلم هو الذي يقال فيه إن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمل وبالجهل به تموت عبادة العمل كله وتتعطل وعلى الجملة فالأخذ في الملأ والرد في السر أحسن المسالك وأسلمها فلا ينبغي أن يدفع بالتزويقات إلا أن تكمل المعرفةبحيث يستوي السر والعلانية وذلك هو الكبريت الأحمر الذي يتحدث به ولا يرى نسأل الله الكريم حسن العون والتوفيق بيان الأفضل من أخذ الصدقة أو الزكاة كان إبراهيم الخواص والجنيد وجماعة يرون أن الأخذ من الصدقة أفضل فإن في أخذ الزكاة مزاحمة للمساكين وتضييقا عليهم ولأنه ربما لا يكمل في أخذه صفة الاستحقاق كما وصف في الكتاب العزيز وأما الصدقة فالأمر فيها أوسع وقال قائلون بأخذ الزكاة دون الصدقة لأنها إعانة على الواجب ولو ترك المساكين كلهم أخذ الزكاة لأثموا ولأن الزكاة لامنه فيها وإنما هو حق واجب لله سبحانه رزقا لعبادة المحتاجين ولأنه أخذ بالحاجة والإنسان يعلم حاجة نفسه قطعا وأخذ الصدقة أخذ بالدين فإن الغالب أن المتصدق يعطى من يعتقد فيه خيرا ولأن مرافقة المساكين أدخل في الذل والمسكنة وأبعد من التكبر إذ قد يأخذ الإنسان الصدقة في معرض الهدية فلا تتميز عنه وهذا تنصيص على ذل الأخذ وحاجته والقول الحق في هذا يختلف بأحوال الشخص وما يغلب عليه وما يحضره من النية فإن كان في شبهة من اتصافه بصفة الاستحقاق فلا ينبغي أن يأخذ الزكاة فإذا علم أنه مستحق قطعا إذا حصل عليه دين صرفه إلى خير وليس له وجه في قضائه فهو مستحق قطعا فإذا خير هذا بين الزكاة وبين الصدقة فإذا كان صاحب الصدقة لا يتصدق بذلك المال لو لم يأخذه هو فليأخذ الصدقة فإن الزكاة الواجبة يصرفها صاحبها إلى مستحقها ففي ذلك تكثير للخير وتوسيع على المساكين وإن كان المال معرضا للصدقة ولم يكن في أخذ الزكاة تضييق على المساكين فهو مخير والأمر فيهما يتفاوت وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس وإذلالها في أغلب الأحوال والله أعلم كمل كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصوم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة والمقربين من أهل السموات والأرضين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.